رشاوى وملايين مهربة.. ملف الفساد المالي يكشف هشاشة السلطة

شهدت السلطة الفلسطينية في رام الله، مؤخرًا، سلسلة من التغييرات الوزارية المفاجئة التي كشفت عن حجم الأزمات الداخلية والتحديات المرتبطة بالفساد المالي والإداري، فقد أعلن مركز الاتصال الحكومي التابع للسلطة مساء الأحد عن تعديل وزاري شمل حقيبتي المالية والنقل والمواصلات، في خطوة اعتبرها المحللون استجابة جزئية للفضائح التي طالت كبار المسؤولين.
تعديل وزاري بعد استقالات متلاحقة
وفي إطار هذا التعديل، كلف رئيس الحكومة محمد مصطفى وزير التخطيط والتعاون الدولي اسطيفان سلامة بتسيير أعمال وزارة المالية إلى جانب مهامه الحالية، بعد تقديم وزير المالية استقالته، في مؤشر على الاضطرابات التي تهز المؤسسات المالية للسلطة.
كما أدى محمد الأحمد اليمين الدستورية أمام رئيس السلطة محمود عباس لتولي حقيبة النقل والمواصلات، في وقت تتزايد فيه الفضائح المرتبطة بهذه الوزارات.
فساد مالي داخل السلطة
وفي الرابع من أكتوبر 2025، قدم وزير النقل والمواصلات المهندس طارق زعرب استقالته بعد رفع الحصانة عنه والتحقيق معه من قبل النائب العام بتهم تتعلق بتلقي رشوة مالية بلغت مليون دولار أمريكي.
وأكدت مصادر صحفية أن زعرب تلقى حوالتين ماليتين بقيمة نصف مليون دولار لكل واحدة قبل أن يتم تهريب المبلغ إلى كندا، الدولة التي يحمل جنسيتها.
وكشفت هذه القضية عن مدى التغلغل المالي غير المشروع داخل مؤسسات السلطة، حيث تم توجيه الوزير عبر مدير مكتب الإصلاح الحكومي لتقديم استقالته فورًا.
وبعد ذلك، صدر قرار بتكليف وزير الأشغال العامة والإسكان عاهد عاطف عابد بيسمسو بتسيير أعمال وزارة النقل والمواصلات، إلى حين صدور قرار جديد.
فضائح هيئة المعابر والحدود
وفي الفترة نفسها، تم إقالة مدير عام هيئة المعابر والحدود نظمي مهنا من منصبه، على خلفية قضايا فساد واسعة طالت موظفين آخرين بمن فيهم مدير عام الموازنة في وزارة المالية.
وأصدرت محكمة مختصة بجرائم الفساد في الخامس من أكتوبر 2025 قرارات بحق مهنا وزوجته وعدد من أبنائه ومرافقيه وموظفي المعابر، تضمنت رفع السرية المصرفية عن حساباتهم، وتتبع نشاطات الخزائن الحديدية الخاصة بهم، وطلب تتبع الأملاك المنقولة وغير المنقولة وفرض الحجز التحفظي عليها.
وتكشف هذه الإجراءات القضائية عن شبكة فساد مترابطة، كانت تسيطر على الملفات المالية في المعابر، وتكشف أبعاد الفساد داخل مؤسسات السلطة.
السيطرة المالية والإشراف على المعابر
ووزارة المالية، التي تشرف على جميع الملفات المالية المتعلقة بالمعابر، تتبع لها موظفو الجمارك والمكوس، فيما كانت الضابطة الجمركية تتبع لها حتى العام الماضي، حيث كانت الوزارة تتولى جمع المضبوطات على الجسر وإتلافها لاحقًا.
وتجسد هذه السيطرة المالية على المعابر هشاشة النظام الرقابي داخل السلطة، وقدرتها المحدودة على منع تجاوزات كبار المسؤولين.
والأحداث الأخيرة، من استقالات وزارية إلى إقالات مديرية وإجراءات قضائية، تكشف حجم الفساد المالي والإداري داخل السلطة الفلسطينية، وتبرز التحديات التي تواجهها في الرقابة على كبار المسؤولين.
ويضع هذا الفساد المتسلسل السلطة أمام اختبار حقيقي لمصداقيتها، خاصة أنها لم تعاقب أي مسؤول متورط، بل اكتفت بمنحهم التقاعد المريح، ما يثير علامات استفهام كبيرة حول مدى الالتزام بالمصلحة العامة وحماية المال العام، ويؤكد استمرار ثقافة الإفلات من العقاب داخل مؤسساتها.





