تحليلات واراء

موفق مطر: أرزقي السلطة والتحريض الممنهج على المقاومة

في المشهد السياسي والإعلامي الفلسطيني، لا يمر اسم موفق مطر “الأطرش” دون أن يثير الجدل، خاصة في ظل مواقفه المنسجمة تمامًا مع خطاب السلطة الفلسطينية وتحريضه المستمر على فصائل المقاومة.

فقد لمع اسم مطر وهو درزي سوري في الأصل، في أوساط فتح والسلطة ليس من باب الكفاءة أو النضال، بل من خلال توظيف الإعلام لخدمة مشروع سياسي بات يُنظر إليه على نطاق واسع كمشروع وظيفي يخدم الاحتلال أكثر مما يعارضه.

المولد والنشأة: خلفية غامضة وحضور لاحق

وُلد موفق مطر في مدينة حماة السورية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وتقرب في شبابه من أوساط منظمة التحرير، لكنه لم يكن من الأسماء المعروفة أو الفاعلة في الحركة الطلابية أو في الفصائل خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي المباشر للقطاع.

إذ أنه تسلل إلى مؤسسات إعلام منظمة التحرير من بوابة التسحيج الصارخ في زمن كان الإعلاميين الفلسطينيين يتمنعون عن أي تسحيج لقيادات المنظمة.

وقد ظل بعيدًا عن العمل الميداني، ولم يرتبط اسمه بأي شكل من أشكال المقاومة، لا في المراحل الأولى من الانتفاضة الأولى، ولا حتى في بدايات الانتفاضة الثانية.

وقد عمل في الإعلام الموحد التابع لمنظمة التحرير في تونس والسودان واليمن، ثم عمل بعد عودته إلى قطاع غزة إثر توقيع اتفاق أوسلو، مدرسًا للإعلام في جامعات غزة، ويعمل مسؤولا لإذاعة موطني في رام الله.

ويشغل مطر منصب عضو المجلس الثوري لحركة فتح منذ المؤتمر السادس في العام 2009، ويعمل أيضا في مفوضية الإعلام التابعة لها، ويستخدم عمله في الاعلام في نشر التصريحات المعادية لخصوم فتح والتي تصل أحيانا حد البذاءة الوطنية والأخلاقية.

ولا يجد مطر بأسا في ممارسة التسحيج لرئيس السلطة محمود عباس ومنطقه السياسي القائم على استجداء الحل السياسي مع الاحتلال، وتشويه صورة المقاومة، علما أنه كان بدأ يهاجم الرئيس الراحل ياسر عرفات في سنواته الأخيرة وفي ذروة خلاف أبو عمار مع عباس.

ويشار إلى أنه لم يكن لمطر نشاط سياسي معروف قبل انخراطه في جهاز الإعلام الرسمي للسلطة سوى اتقانه التسحيج الفاضح. وقد حظي لاحقًا بترقية غير مفهومة داخل الأطر التنظيمية الفتحاوية، وبدأ تقديم نفسه بوصفه “محللًا سياسيًا وقياديًا فتحاويًا”، رغم غياب أي سجل نضالي أو تنظيمي حقيقي يبرر هذا اللقب.

صعود على أكتاف الولاء الأعمى

جاء تقرّب موفق مطر من السلطة الفلسطينية وحركة فتح في مرحلة حساسة، حيث كانت القيادة الفلسطينية، في أعقاب فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، تبحث عن أصوات إعلامية تمارس وظيفة التعبئة ضد المقاومة وتدافع عن خيار التسوية. لم يتأخر مطر في لعب هذا الدور.

إذ قدّم نفسه كصوت مدافع عن “الشرعية” ومهاجم لكل من ينتقد اتفاق أوسلو أو يرفض التنسيق الأمني.

وقد كان حضوره الإعلامي دائمًا محكومًا بمنطق الاصطفاف مع توجهات السلطة السياسية. فكلما اشتدت الانتقادات الموجهة لرئيس السلطة محمود عباس أو ظهرت مؤشرات على اتساع التأييد الشعبي للمقاومة، كان مطر يتصدر المشهد بكتاباته وتصريحاته الحادة، متهمًا خصوم السلطة بالخيانة والعمالة وتهديد المشروع الوطني.

تحريض متواصل على فصائل المقاومة

لم يوفر موفق مطر مناسبة دون أن يهاجم فيها فصائل المقاومة، وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي، مستخدمًا خطابًا تخوينيًا يحمّل المقاومة مسؤولية ما يُسمى بـ”الانقسام الفلسطيني” والانهيار السياسي والاقتصادي في غزة.

وهو استغل منابره الإعلامية الرسمية كـ”صحيفة الحياة الجديدة” وموقع تلفزيون فلسطين التابع للسلطة، لممارسة هذا التحريض تحت غطاء “النقد السياسي”.

ولم يقتصر هجوم مطر على الأداء السياسي أو العسكري للمقاومة، بل طال رموزها وقادتها، كما في انتقاداته العنيفة المتكررة للشهيدين القادة يحيى السنوار ومحمد الضيف، واتهاماته للمقاومة بأنها “تجر الشعب الفلسطيني إلى الخراب”، في لغة تتماهى مع رواية الاحتلال، وتتهم المقاومة بجرائم العدوان بدلًا من تحميل الاحتلال مسؤولية المجازر والدمار.

وقد وصلت به الوقاحة السياسية، إلى اعتبار عمليات المقاومة في الضفة الغربية “خارج الإجماع الوطني”، متغاضيًا عن حجم الدعم الشعبي لهذه العمليات، ومتجاهلًا تصاعد الاستيطان والاقتحامات اليومية في ظل التنسيق الأمني.

داعم متحمس للتسوية والتنسيق الأمني

موفق مطر هو أحد أبرز الأصوات التي لا تخجل من الدفاع عن اتفاق أوسلو والتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي. ففي مقالاته، يقدّم “السلام” باعتباره الخيار الوحيد، ويهاجم من يرفضه بوصفه “مغامرًا” أو “مرتبطًا بأجندات خارجية”.

يكتب مطر باستمرار عن ضرورة “التمسك بالشرعية الدولية”، متغاضيًا عن فشل أكثر من ثلاثة عقود من المفاوضات في وقف الاستيطان أو تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية.

أما التنسيق الأمني، والذي بات يُعدّ من أكثر القضايا إثارة للغضب الشعبي، فيراه مطر “مصلحة وطنية” و”ركيزة أساسية لحماية المشروع الوطني”، وهو خطاب يكشف حجم التشوه الذي أصاب الثقافة السياسية في أوساط بعض منتسبي السلطة.

ومن اللافت أن مطر كثيرًا ما يتجاهل جرائم الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، فيكتفي بالتنديد العام، ويخصص معظم مقالاته لشيطنة الفصائل التي ترد على هذه الجرائم، وكأن الدفاع عن النفس بات عبئًا على السلطة وأبواقها الإعلامية.

أداة تلميع للسلطة وإسكات للمعارضة

يؤدي موفق مطر دورًا وظيفيًا يتجاوز مجرد التحليل أو الرأي السياسي، إذ يساهم بشكل مباشر في تلميع سياسات السلطة وشيطنة معارضيها. ومواقفه لا تعكس اجتهادًا فرديًا بقدر ما تمثل جزءًا من ماكينة دعائية تسعى إلى إبقاء الساحة الفلسطينية أسيرة خطاب سلطوي واحد، يُحرّم الاختلاف ويُخوّن المعارضين.

وفي هذا السياق، فإن مطر يُعد امتدادًا لنمط من الإعلاميين الذين خسروا استقلاليتهم لصالح الولاء المطلق، وتحولوا إلى أبواق تمارس الإقصاء وتستبدل المعركة مع الاحتلال بمعارك داخلية ضد كل من يرفع شعار المقاومة أو يطالب بإصلاح السلطة.

وخلال حرب الإبادة على غزة، نشر موفق مطر عدة مقالات تضمنت تحريضًا مباشرًا على فصائل المقاومة، خاصة حركة حماس.

ففي مقال بعنوان “سطو رؤوس حماس بالتزامن مع جرائم حرب رؤوس (إسرائيل)”، اتهم مطر حماس بـ”السطو على دماء الشهداء” في مخيم جنين، واعتبر أن قادتها يفتقرون إلى “الضمائر” و”المشاعر الإنسانية”، مشبهًا إياهم بـ”رؤوس الإخوان المسلمين فرع فلسطين” الذين يسعون لتوظيف معاناة الشعب الفلسطيني لصالح أجندات خارجية .

وفي مقال آخر بعنوان “دور ساسة حماس للانقلاب على عسكرها”، هاجم مطر قادة حماس، متهمًا إياهم بتقديم “الموت على قداسة النفس وحقها في الحياة”، واعتبر أن عملية “طوفان الأقصى” منحت الاحتلال الذريعة لتدمير قطاع غزة.

كما نشر مطر مقالًا بعنوان “لا نحارب بالوكالة”، هاجم فيه فصائل المقاومة التي تمتلك السلاح وتستخدمه –بحسب مزاعمه- في حروب تخدم أجندات خارجية، متجاهلا كل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من عدوان شامل.

وتُظهر هذه المقالات أن موفق مطر يستخدم منصاته الإعلامية للتحريض على فصائل المقاومة، وتوظيف معاناة الشعب لصالح أجندات حزبية، في حين يُبرر مواقف السلطة الفلسطينية وخياراتها السياسية بما في ذلك العمالة للاحتلال.

ولا يمثل موفق مطر حالة فردية بقدر ما يجسّد ظاهرة في المشهد الفلسطيني، عنوانها الإعلام الموجّه والمبرمج لخدمة نهج سياسي مفلس. فهو ليس صحفيًا حرًا ولا محللًا مستقلاً، بل موظف دعائي يكرر رواية السلطة ويجتهد في معاداة المقاومة أكثر من اجتهاده في مواجهة الاحتلال.

وفي ظل تنامي الغضب الشعبي من أداء السلطة، فإن مواقف مطر تبدو أكثر عزلة من أي وقت مضى، ويظل اسمه شاهدًا على ارتهان بعض الأقلام الفلسطينية لصالح مشروع التسوية والانبطاح، في وقت يواصل فيه الشعب الفلسطيني تقديم التضحيات دفاعًا عن الأرض والكرامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى