ماكينة الدعاية الإسرائيلية تروّج لنموذج عمالة ياسر أبو شباب

في خضم العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، تكشف حملة جديدة منسّقة في الإعلام الغربي عن تصعيد في أدوات الدعاية الإسرائيلية التي تستهدف تفكيك الجبهة الداخلية الفلسطينية وتشويه فصائل المقاومة.
هذه المرة، يأتي الهجوم من خلال تلميع شخصية مثيرة للجدل تُدعى ياسر أبو شباب، عبر مقال رأي نُشر في صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، ظهر فيه بصفته “قائدًا لقوات شعبية” في غزة، ويقدم نفسه كنموذج بديل لـ”الحكم الرشيد” في القطاع، من دون مقاومة، بل وفق هوى الاحتلال وتطلعاته.
ما يحدث هنا ليس مجرد مقال دعائي، بل هو محاولة واضحة لإعادة إنتاج “نموذج العميل الفلسطيني” في ثوب جديد، مغلّفٍ بخطاب إنساني كاذب، ومعبّأٍ بالتحريض الممنهج ضد فصائل المقاومة، خاصة حركة حماس.
وفي الوقت الذي يعيش فيه سكان القطاع أوضاعًا إنسانية كارثية نتيجة حرب الإبادة، تختار ماكينة الدعاية الإسرائيلية إبراز شخصية تقود ميليشيا عشائرية تحت الاحتلال، وتروج لها كمشروع بديل للتمثيل الفلسطيني.
تضليل دعائي وتحريض صريح
يعتمد المقال على سردية مركبة تستغل الوضع المأساوي في غزة لتبرير الاصطفاف مع الاحتلال، إذ يبدأ ياسر أبو شباب بالقول إن منطقته في شرق رفح “خالية من وجود حماس”، وكأن ذلك هو الشرط لعيش آمن ومزدهر.
وفي ذات الوقت، يتهم المقاومة باستخدام الأطفال كدروع بشرية، ويسوّق لنفسه كحامي للمدنيين، بينما يغفل تمامًا القصف الإسرائيلي المتواصل الذي لا يميز بين النساء والأطفال والمقاومين، وارتكاب مجازر موثقة على يد قوات الاحتلال في جميع أنحاء القطاع، بما في ذلك شرق رفح نفسها.
هذا الخطاب – الذي يتماهى بشكل كامل مع رواية الاحتلال – يتجاهل الجرائم الإسرائيلية ويختزل معاناة الغزيين في “سوء إدارة حماس”، متغافلًا عن الحصار الإسرائيلي الخانق، ومنظومة العقوبات الجماعية، والتجويع الممنهج الذي يتعرض له سكان غزة منذ أكثر من 17 عامًا.
من هو ياسر أبو شباب؟
بحسب معلومات ميدانية وشهادات من سكان المنطقة، فإن أبو شباب لا يمثل أكثر من ميليشيا عشائرية مرتبطة بجهات إسرائيلية، هدفها تمزيق النسيج الوطني والاجتماعي في غزة.
وتتلقى هذه العصابة دعمًا لوجستيًا وأمنيًا من الاحتلال الإسرائيلي، وتم السماح له بالبقاء شرق رفح في ظل فراغ أمني خلقه القصف المتكرر على فصائل المقاومة.
ولا يوجد ما يشير إلى أن “القوى الشعبية” التي يتحدث عنها تمثل شريحة حقيقية من المجتمع الغزي، بل تُعامل من قبل السكان كعصابة خارجة عن الصف الوطني، تسهم في تسهيل عمليات الاحتلال وتعمل كوكيل ميداني لضرب استقرار القطاع.
ويعكس ترويج الإعلام الغربي، وخاصة صحف مثل وول ستريت جورنال، لهذا النموذج رغبة إسرائيلية صريحة في هندسة بدائل محلية تتماشى مع سياساتها، في تجاهل صارخ لإرادة الفلسطينيين وتضحياتهم في مواجهة العدوان.
التفنيد.. مغالطات المقال
“حماس تسرق المساعدات”: تكرار هذه العبارة يعكس أسلوب الدعاية الإسرائيلية، رغم أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أكدت مرارًا أن المشكلة الأساسية في إيصال المساعدات تكمن في القيود الإسرائيلية على المعابر وأن عملية التوزيع كاملة تخضع لإشراف ورقابة المنظمات الدولية من دون توثيق أي حوادث سرقة.
“شرق رفح منطقة آمنة”: رغم زعم أبو شباب أن منطقته آمنة وخالية من القصف، فإن التقارير الحقوقية تفيد بأن الجيش الإسرائيلي شن عمليات في تلك المناطق أيضًا، كما أن “الهدوء” النسبي هناك مرده تفاهمات بين عصابته وقادة الاحتلال، لا حالة استقرار ذاتي نابع من داخل المجتمع المحلي.
“غالبية أهالي غزة يرفضون حماس”: يكرّر أبو شباب هنا دعاية الاحتلال عن “ثورة صامتة” في غزة. لكن الواقع يؤكد أن فصائل المقاومة، رغم كل الانتقادات، لا تزال تحظى بحاضنة شعبية واسعة، كونها الطرف الوحيد الذي يدافع عن السكان تحت النار، بينما يستهدف الاحتلال الجميع دون تمييز.
“مطالب بالاعتراف الدولي”: يدعو أبو شباب الدول العربية والولايات المتحدة للاعتراف بفصيله كبديل شرعي. هذا الطلب يعكس التماهي الكامل مع مشروع الاحتلال لتفكيك تمثيل الفلسطينيين، وتحويل غزة إلى كانتونات عميلة بلا سيادة ولا مقاومة.
ماكينة الدعاية على خط المواجهة
لم يكن مقال أبو شباب حدثًا منفردًا، بل جاء ضمن سلسلة من المحاولات الإسرائيلية لترويج عملاء محليين كأدوات “مقبولة” في نظر المجتمع الدولي.
وهذا النمط الدعائي ليس جديدًا، لكنه يعكس أزمة الاحتلال في فرض وقائع سياسية على الأرض، بعدما فشلت آلة الحرب في إسقاط المقاومة عسكريًا.
ويؤكد مراقبون أن تلميع أبو شباب، رجل لا يملك أي شرعية وطنية، في واحدة من أبرز الصحف الأمريكية، هو استكمال لمحاولات غسل الرواية الإسرائيلية وتقديم صورة مزيفة عن “غزة ما بعد حماس”، حيث لا مقاومة، ولا مطالب وطنية، بل وكلاء محليون يكررون خطاب الاحتلال ويتباهون بنبذ “الإرهاب”.
ضرب الجبهة الداخلية
ليس الهدف من هذا النموذج إقامة “منطقة آمنة” كما يدّعي المقال المنسوب لأبو شباب، بل خلق فتنة داخلية وضرب أي إمكانيات للوحدة الوطنية أو مشروع تحرري جامع.
ويتزامن هذا المقال مع جهود إسرائيلية لفرض مشاريع حكم محلي عميل بعد الحرب، عبر فرض قيادات عشائرية أو شخصيات منفية على نمط “جيش لحد” اللبناني.
وفي النهاية، فإن المقال المنسوب لياسر أبو شباب ليس أكثر من ورقة دعائية مكشوفة، تنضح بالتنسيق مع المحتل، وتعمل على تشويه نضال الغزيين ومحاولة تمزيق صفوفهم في لحظة مفصلية من تاريخ الصراع. والمفارقة أن “النموذج” الذي يدعو إليه، ليس نموذج سلام، بل حالة وقيعة، تسعى لاستبدال الاحتلال العسكري المباشر باحتلال داخلي عبر واجهات ناطقة بالعربية.
لقد فشلت دولة الاحتلال في كسر المقاومة في الميدان، فتحاول الآن ضربها عبر الكلمة والرمز. لكن صوت غزة الحقيقي، بكل آلامها وصمودها، لا يُمثّله العملاء ولا تُترجم معاناته أقلام مشبوهة.