تحليلات واراء

انتخابات الوطني.. حيلة لهندسة منظمة التحرير وتأبيد الانقسام

أشعل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس جدلا واسعا في الشارع الفلسطينية بقرار الذي يدعو لعقد انتخابات المجلس الوطني قبل نهاية عام 2025 وسط حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة والعدوان على الضفة الغربية، رغم تعطيله وعدم إجراء أي انتخابات منذ عام 1964.

ووصف محللون في تصريحات منفصلة قرار عباس بأنه محاولة لهندسة النظام السياسي الفلسطيني بلون واحد واستجابة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية وتكريسا للانقسام الداخلي وسياستي التفرد والإقصاء التي ينتهجها.

ورأى هؤلاء أن الانتخابات التي تتجاهل لحرب الإبادة في غزة لن تتم وسيتجه عباس نحو سيناريوهات خطيرة يعزز نفسه وحركة فتح بدون شرعية شعبية أو فصائلية.

من هو المجلس الوطني؟

وكان عباس قال في نص القرار: “إجراء الانتخابات مجلس وطني جديد قبل نهاية عام 2025، وفقاً لنظام انتخابات المجلس الوطني، ويحدد موعدها رئيس اللجنة التنفيذية”، مطالبا إياها بإصدار بتشكيل لجنة تحضيرية تختص باتخاذ الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات.

الخبير في الشأن السياسي هاني المصري يحذر من أن قرار عباس يُنذر بتعميق المأزق الفلسطيني بدلا من حله لصدوره بشكل أحادي، دون تشاور وطني يشمل مؤسسات السلطة والمنظمة، والفصائل، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والشخصيات الوطنية داخل الوطن وخارجه.

ويوضح المصري في تصريح أن هذه المقاربة تُضعف بل تضرب بالصميم شرعية المرسوم وتُفقده الغطاء الوطني اللازم.

ويرى أن قرار عباس يتجاهل الأولويات الوطنية العاجلة، وفي مقدّمتها وقف جريمة الإبادة الجماعية والتهجير القسري، وإعادة الإعمار، والتصدي لمخططات الضم وتصفية القضية الفلسطينية بجوانبها ويغفل أهمية تشكيل قيادة وطنية موحدة وبلورة استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة هذه التحديات وتوظيف الفرص المتاحة.

آخر انتخابات للمجلس الوطني

ويتساءل: “كيف يُمكن تصور إجراء انتخابات في قطاع غزة مع الوضع القائم؟ وكيف ستُجرى في الضفة في ظل القضم المتدرج والضم الزاحف، والتقدم نحو فرض السيادة الإسرائيلية عليها؟ وحتى إن تم التوصل لصفقة تهدئة مرحلية، فليس من المضمون أن تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار أو إلى انسحاب إسرائيلي فعلي. الأخطر من ذلك هو احتمال تأجيل الانتخابات في الضفة والقطاع بذريعة عدم سماح الاحتلال بإجرائها في القدس وغزة”.

وينبه إلى أن المرسوم تضمن شرطًا مستغربًا يشترط على المشاركين في الانتخابات الالتزام ببرنامج منظمة التحرير والتزاماتها، ما يُخالف جوهر العملية الديمقراطية القائمة على حرية التنافس بين برامج وخيارات متعددة ضمن إطار وطني موحّد.

ويوضح أنه بإمكان القوى الوطنية الاتفاق على أسس وأهداف وقيم إنسانية عليا تُصاغ ضمن ميثاق وطني جامع، يستند إلى الإرث الوطني والحقوق الثابتة، خاصة أن مكانة للوطني السياسية والقانونية أُضعِفت نتيجة الشروع في تعديله دون استكمال هذه العملية.

ويتساءل المصري: “هل سيسمح الاحتلال فعلًا بإجراء انتخابات خصوصا حرة ونزيهة تُحترم نتائجها من دون نضال تراكمي طويل لفرضها عليه؟ وهل ستؤدي الانتخابات في ظل الاحتلال والانقسام إلى خلاص وطني حقيقي أم إلى تكريس الانقسام وتأبيد الاحتلال؟”.

ويشير المرسوم إلى انتخابات المجلس الوطني فقط، من دون ذكر أي استحقاقات رئاسية أو تشريعية، وكأن منظمة التحرير ستمسك بكامل السلطات، دون أي مراجعة أو إعادة بناء لمؤسساتها المتقادمة والمُعطلة منذ سنوات ما يكشف عن توجّه خطير لتجاوز السلطة الفلسطينية ورئيسها ومؤسساتها لصالح منظمة مشلولة، من دون إصلاحها وتفعيلها وإعادة هيكلتها وإعادة بناء مؤسساتها لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي.

كم عدد أعضاء المجلس الوطني؟

ويختم: “يبدو أن قيادة السلطة تسعى إلى استعادة دورها كلاعب مركزي في الساحة الفلسطينية، دون أن تسلك المسار الصحيح لذلك.. فعودة السلطة إلى غزة غير مضمونة؛ لا من الاحتلال إلا إذا أصبحت سلطة عميلة، ولا من حماس إلا ضمن اتفاق وطني شامل. وعليها إعادة النظر في حساباتها قبل فوات الأوان، وقبل أن يصبح الندم بلا جدوى”.

الكاتب والمحلل السياسي نهاد أبو غوش طرح أسئلة جوهرية بشأن توقيت وجدوى قرار عباس الذي يتزامن مع أوضاع مأساوية يعيشها الشعب الفلسطيني.

وتساءل أبو غوش في تصريح: “أين وكيف يمكن للمواطنين في غزة أن ينتخبوا؟ هل سنجري الانتخابات تحت وابل القصف ومراكز الإيواء أو النزوح؟ أم فيما يسعى نتنياهو وكاتس لإقامته من مدينة إنسانية هدفها الفعلي تهجير الفلسطينيين؟”.

ويرى أن الحديث عن إجراء انتخابات بالقدس مع رفض الاحتلال وتنكره للحقوق الفلسطينية، يعني عملياً إرجاء الانتخابات لأجل غير مسمى.

ويعتقد أبو غوش أن “الأولوية التي يجب ألا تعلو عليها أي قضية هي وقف الحرب وإغاثة غزة وتمكين أهلها من دفن شهدائهم ولملمة جراحهم والعودة إلى حياتهم الطبيعية”.

من هو رئيس المجلس الوطني؟

ويطالب تفعيل قرارات وطنية متفق عليها، في مقدمتها مخرجات اجتماع بكين، والتي تشمل تفعيل هيئة إحياء وتطوير منظمة التحرير، وتشكيل حكومة توافق وطني، وبرنامج طوارئ متفق عليه لإغاثة غزة.

ويبين أبو غوش أن قرار الانتخابات يبدو منقطعا عن السياق الواقعي، خاصة أن العدوان على غزة والضفة لم يتوقف.

ويتساءل: “ما جدوى إصدار قرار خاص بانتخابات المجلس الوطني منفرداً، وتجاهل الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي نص عليها القانون رقم 3 بيناير 2021، والمرسوم الرئاسي رقم 12 بأبريل من العام نفسه، الذي ربط بين الاستحقاقات الثلاثة”.

ويدعو لوجود حوار وطني حقيقي يسبق مثل هذا القرار، سواء كانت اللجنة التنفيذية قد ناقشت توزيع مقاعد المجلس الوطني البالغ عددها 350 مقعدا وفق آليات ديمقراطية شفافة، أم أن القرارات تدار الآن بمراسيم رئاسية دون مشاركة حقيقية من القوى الوطنية.

ويشدد أبو غوش على أن الظروف السياسية الحالية، خاصة حرب الإبادة وظروف دول الإقليم التي تضم جاليات فلسطينية كبرى مثل الأردن وسوريا ولبنان، لا تتيح مجالاً لتنفيذ الانتخابات في موعدها.

كيف تجرى انتخابات المجلس الوطني؟

ويعزو قرار عباس إلى أنه مجرد استجابة شكلية لمطالب الإصلاح الداخلية والضغوط الخارجية، لينتهي الأمر بتأجيلها بذريعة استمرار العدوان الإسرائيلي ورفض الاحتلال لإجرائها في القدس.

أستاذ القانون الدولي رائد أبو بدوية يقول إن قرار عباس استمرار في إطلاق تعهدات للقادة العرب ولأطراف دولية وأوروبية لإثبات “أهلية” المؤسسات الوطنية للعب دور أساسي بأي تسوية سياسية قادمة أو خطة لإعادة إعمار غزة.

ويوضح أبو بدوية في تصريح أن عباس يخاطب به نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل انعقاد مؤتمر نيويورك حول الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، الذي كان سينعقد بحزيران الماضي وتأجل، وسط توقعات بعقده قريبا.

ويوضح أبو بدوية أن الطريقة والتوقيت لإصلاح المنظمة يجعلانها أقرب إلى محاولة تسويق شكلية أمام الخارج، مع ظروف داخلية لا تساعد على تحقيق تغيير جوهري حقيقي”.

ويحذّر أبو بدوية من أن شروط الترشح وعضوية المجلس الوطني التي وُضعت، بما فيها اشتراط الالتزام باتفاقيات منظمة التحرير والشرعية الدولية، تُعتبر رسالة ضمنية لحركة حماس لمنع مشاركتها عملياً فيها، وهو ما يُكرّس حالة الانقسام بدلاً من رأبها.

ويذكر أبو بدوية أن “هذا التوجه الأحادي سيعمق الانقسام، وقد يترك انطباعًا بأن الحديث عن تجديد الشرعيات بهذه الطريقة وبظل هذه الظروف ما هو إلا تجديد وهمي وغير حقيقي”.

من هو محمود عباس؟

ويشدد أبو بدوية على أن الشرعية لا يمكن أن تُبنى بانتخابات مجتزأة، بل تحتاج لإصلاح شامل يشمل كل أطر ومؤسسات منظمة التحرير وليس المجلس الوطني فقط، إضافة إلى ضرورة استكمال الانتخابات التشريعية والرئاسية للسلطة الفلسطينية.

ويؤكد أبو بدوية أن الفلسطينيين يحتاجون اليوم لحوار وطني حقيقي وعاجل أكثر من حاجتهم للقفز إلى الأمام بقرارات انفرادية.

ويشير إلى أنه قد تكون هناك فرصة ثمينة الآن للاتفاق على برنامج سياسي موحد يعيد بناء منظمة التحرير ويعزز وحدتنا الداخلية في مواجهة الاحتلال، لكن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية جامعة، لا إلى انتخابات جزئية تزيد الفجوة وتعمق الشرخ القائم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى