تحليلات واراء

أدوات إعلامية مشبوهة تتحوّل إلى سلاح ضغط خلال مفاوضات غزة

بينما تتواصل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة وسط حرب إبادة لم تتوقف منذ 22 شهرا، تتسارع في خلفية المشهد حرب إعلامية تديرها قنوات ووسائل إعلامية مشبوهة محسوبة على دول عربية، باتت شريكًا فعليًا في ماكينة الدعاية الإسرائيلية، وأداة ضغط تهدف إلى إضعاف موقف فصائل المقاومة الفلسطينية ودفعها إلى تقديم تنازلات مجحفة في مسار المفاوضات.

في مقدمة هذه القنوات تأتي قناة «العربية» السعودية، وشقيقتها «العربية الحدث»، إلى جانب «سكاي نيوز عربية» الإماراتية، وأيضًا قناة «صدى البلد» المصرية، التي صعّدت جميعها خلال الأسابيع الماضية من تغطيتها الموجهة، عبر نشر أخبار وتسريبات غالبًا ما تكون كاذبة أو مجتزأة.

وتصب هذه الأخبار والتسريبات في تحميل المقاومة مسؤولية عرقلة المفاوضات، أو تُصوّر الاحتلال الإسرائيلي في موقع «الطرف الراغب في إنهاء الحرب»، بينما تظهر فصائل غزة، خاصة حركة حماس، وكأنها الجهة المتعنتة التي ترفض الحلول.

تسريبات مضلِّلة

خلال الجولات الأخيرة من المفاوضات التي تجري بين القاهرة والدوحة وواشنطن وتل أبيب، كثّفت هذه القنوات من نشر ما سمّته «تسريبات خاصة»، تتحدث تارة عن أن حماس قد تراجعت عن مطالبها بالإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين، وتارة أخرى عن أن دولة الاحتلال قدمت تنازلات كبرى تنتظر قبول المقاومة لها. بينما تُظهر تقارير أخرى «تشدد» حماس ورفضها أي مرونة، لتحميلها مسؤولية فشل المفاوضات.

ويؤكد مراقبون أن معظم هذه التسريبات تستهدف خلق ضغط نفسي على الشارع الفلسطيني، وإشاعة الانقسام بين الفصائل، وتشويه صورة المقاومة أمام جمهورها الذي ينتظر منها تحقيق إنجازات سياسية تتناسب مع صمود غزة وتضحياتها الهائلة.

ماكينة دعائية إسرائيلية… بلسان عربي

الخطير في الأمر، كما يصفه مراقبون، أن هذا الخطاب الإعلامي يتطابق حرفيًا في كثير من الأحيان مع رواية الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحاول ترويج أن الحرب يمكن إنهاؤها سريعًا لو قبلت حماس «العروض السخية».

ويتجاهل هذا الخطاب أن دولة الاحتلال نفسها هي من يضع شروطًا تعجيزية في المفاوضات، من بينها الإصرار على استمرار الاحتلال العسكري لأجزاء واسعة من قطاع غزة، ورفض الانسحاب الكامل، واشتراط نزع سلاح المقاومة.

ويؤكد مراقبون إعلاميون أن هذه القنوات أصبحت جزءًا من التكتيك الإسرائيلي الإعلامي، وخطط استنزاف المقاومة ليس بالسلاح فقط، بل بالحرب النفسية وتشويه سمعتها أمام شعبها وأمام الرأي العام العربي. لذلك هناك تنسيق غير مباشر مع وسائل إعلام عربية تتبنى خطابًا يُحمّل المقاومة المسؤولية، ويصورها كسبب استمرار الحرب.

وبحسب المراقبين فإن خطورة هذا الخطاب تكمن في أنه يصدر من قنوات عربية، ما يجعله يبدو محايدًا، بينما هو في الحقيقة يحقق أهداف الاحتلال بشكل مباشر.

توظيف لغة «المصادر»

أحد الأساليب المتكررة في تغطية هذه القنوات هو نشر أخبار نقلاً عن «مصادر مصرية مطلعة» أو «مصادر مطلعة على المفاوضات» دون كشف هويتها أو تقديم أي توثيق حقيقي.

بهذه الطريقة، تُمرر الروايات التي تريد دولة الاحتلال أو بعض الأطراف الإقليمية ترويجها، مع إضفاء مسحة من المصداقية عليها أمام الجمهور.

على سبيل المثال، خلال الأيام الماضية بثت قناة العربية عدة أخبار عاجلة تتحدث عن قبول حماس بخطة إسرائيلية «تقضي بخروج قادة حماس إلى الخارج»، أو تخلي الحركة عن شروط أساسية مثل وقف إطلاق النار الشامل أو الانسحاب الإسرائيلي.

لكن سرعان ما خرجت حماس ببيانات رسمية تنفي هذه الادعاءات جملة وتفصيلاً، مؤكدة أنها لا تزال متمسكة بمطالبها الأساسية، وعلى رأسها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة وعودة النازحين إلى ديارهم.

تكامل مع الحرب النفسية

لا يمكن فصل هذه الحملات الإعلامية عن الحرب النفسية التي تشنها إسرائيل بشكل ممنهج منذ بدء العدوان. فكلما اقتربت المفاوضات من تحقيق اختراق، تتصاعد التسريبات الكاذبة لتصوير المقاومة وكأنها المتسبب في عرقلة الحلول.

هذا التكتيك يهدف إلى تقليص أي مكتسبات سياسية للمقاومة، وإجبارها على تقديم تنازلات دون مقابل.

وعليه يدور جوهر هذه الحملات حول هدف محوري: منع المقاومة من تحويل صمودها إلى مكاسب سياسية ملموسة، سواء تعلق الأمر بالانسحاب الإسرائيلي أو بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.

لكن ماكينة الدعاية الموجهة، التي تنخرط فيها هذه القنوات، تريد تحطيم هذه المكاسب، بإظهار المقاومة كطرف متشدد يعرقل التسوية. وهذا يفسر لماذا تتكثف الأخبار والتسريبات المضللة كلما لاحت في الأفق فرصة لتسوية قد تمنح الفلسطينيين ولو جزءًا من حقوقهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى