لجان النظام المصري تهاجم قافلة الصمود العربية المتجهة لغزة

مع الإعلان الرسمي عن انطلاق “قافلة الصمود” المغاربية من تونس في اتجاه قطاع غزة المدمر والمحاصر، أطلقت اللجان الإلكترونية التابعة للنظام المصري ووسائل الإعلام الرسمية والخاصة الموالية للسلطة، حملة شعواء لتشويه المبادرة والتشكيك في أهدافها.
وقد اتخذت هذه الحملة طابعاً مزدوجاً: أولاً، ادعاء أن القافلة تخدم أجندات خارجية، وثانياً، تصوير المشاركين فيها على أنهم مغرر بهم أو يسعون لإثارة الفوضى على الحدود المصرية.
ووصلت الوقاحة ببعض الأصوات المحسوبة على أجهزة النظام حد اعتبار المبادرات الإنسانية والعروبية مثل “قافلة الصمود” بمثابة تهديد للأمن القومي المصري، في حين لم يتورع آخرون عن اعتبارها عملاً عدائياً يستهدف سيادة الدولة، وكأنّ إيصال الدواء والغذاء لأهالي غزة بات جريمة.
كما ذهبت خسة بعض المنابر المحسوبة على النظام المصري إلى اعتبار المشاركة في القافلة “مزايدة على الدور المصري”، ووصفت بعض الأصوات القافلة بأنها “اختراق أجنبي”، في ترديد ممجوج لنظريات المؤامرة، التي لطالما استخدمها النظام لتبرير سياساته المتماهية مع سياسات الاحتلال الإسرائيلي.
وهذه الحملة ليست معزولة عن السياق السياسي العام؛ فمصر اليوم – على الرغم من كونها الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك حدودًا مباشرة مع قطاع غزة – تساهم بشكل مباشر في تشديد الحصار عليه.
إذ منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023، أغلقت السلطات المصرية معبر رفح مرات متتالية، ومنعت إدخال مساعدات إنسانية، بما فيها الأدوية والمعدات الطبية، بل وأعاقت إدخال الجرحى للعلاج، ما فاقم الكارثة الإنسانية في القطاع، وساهم في التمهيد لمخططات الإبادة والتهجير الإسرائيلي.
ويؤكد مراقبون أن دور القاهرة في تشديد حصار غزة وصولا إلى خلق مجاعة بين سكانها لم يعد خفيًا، بل بات موضوع تنديد واسع بين أوساط الشعوب العربية والرأي العام الدولي.
وبحسب المراقبين فإن الهدف من حملة التحريض المصرية واضح: التمهيد لمنع القافلة من دخول غزة، وتوفير غطاء سياسي وأمني لأي إجراءات قمعية قد تتخذها السلطات المصرية.
لكن الأخطر أن هذه الحملة تكشف حجم التواطؤ الرسمي في حصار قطاع غزة، فمصر، رغم كونها الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك حدوداً مباشرة مع القطاع، لم تتورع عن إغلاق معبر رفح معظم الوقت، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية إلا عبر تنسيق أمني مشدد مع الاحتلال الإسرائيلي.
ويؤكد المراقبون أنّ مشاركة النظام المصري في الحصار على غزة لم تعد مجرد تقاعس أو تغافل، بل تحوّلت إلى سياسة متكاملة الأركان، يتبناها إعلامه، وتنفذها أجهزته الأمنية، وتبررها خطاباته الرسمية، حتى بات من يطالب بفكّ الحصار متهماً، ومن يشارك في دعمه بطلاً قومياً مزعوماً.
رمزية القافلة في كسر الحصار
انطلاق “قافلة الصمود” من تونس، مروراً بالجزائر وليبيا، في طريقها إلى معبر رفح، يمثل أكثر من مجرد فعل رمزي للتضامن مع غزة. إنها إعلان واضح عن انخراط الشعوب العربية، والمغاربية تحديداً، في معركة كسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من 17 عاماً.
هذه القوافل، بما تحمله من مساعدات إنسانية وطبية ووفود مدنية ونقابية وطبية، تُعيد الاعتبار لفلسطين كقضية إنسانية وأخلاقية جامعة، وتؤكد أن طوفان الأقصى الذي انطلق في أكتوبر 2023 لم يكن مجرد تحرك فلسطيني مقاوم، بل لحظة كونية استثنائية أعادت ربط العالم بالمظلومية الفلسطينية.
وقد باتت دولة الاحتلال الإسرائيلي اليوم تواجه طوفاناً من المواقف العالمية التي تنكر على الصهيونية جرائمها وفجورها الدموي.
كما أنها باتت عارية من كل الغطاء الأخلاقي، ولم يعد بمقدور حتى حلفائها تبرير المجازر اليومية في غزة. القافلة تقول لإسرائيل، ولمن يحاصر غزة معها، إن هناك شعوباً ما زالت تنبض ضميراً، ومستعدة للوقوف في وجه الحصار والخذلان.
الشجاعة، كما يقال، خلق معدٍ. والقوافل التي تنطلق من الضفة الجنوبية للمتوسط تحمل في طياتها إرثاً من النضال العروبي والروحي، يمتد من سيدي أبو مدين الغوث إلى جيل جديد من الناشطين الذين يرون في تحرير فلسطين بوصلتهم الأخلاقية والسياسية.
مسيرة أمل وشهادة حية على إرادة الشعوب
في مشهد مهيب، انطلقت يوم الإثنين 9 يونيو 2025، قافلة الصمود من العاصمة تونس باتجاه معبر رفح، بمشاركة أكثر من 1500 ناشط تونسي و200 جزائري، وسط حضور شعبي كثيف ومواكب من السيارات التي رافقت الحافلات الموشحة بالأعلام الفلسطينية والتونسية.
تضم القافلة نشطاء مجتمع مدني، نقابيين، سياسيين، وأطباء، وقد تم الإعداد لها منذ أكثر من شهر من قبل تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين، التي عملت على تأمين المساعدات الطبية واللوجستية، وتنظيم التحركات عبر الأراضي التونسية والليبية، وصولاً إلى مصر.
الأطباء المشاركون في القافلة، بحسب ما صرّح به رئيس المنظمة التونسية للأطباء الشبان وجيه ذكار، لا يشاركون بصفتهم المهنية فقط، بل بصفتهم مواطنين أحراراً يسعون لتقديم يد العون للطواقم الصحية المنهكة في غزة. وتم تجهيز سيارات إسعاف ومعدات طبية بهدف إدخالها للقطاع.
وأكد المتحدث باسم التنسيقية وائل نوار أن القافلة ستصل إلى معبر رفح يوم 15 يونيو الجاري، وستباشر إجراءات التصريح بالدخول، مهما كانت العقبات، لإيصال الدعم إلى أهالي غزة المحاصرين.
إلى جانب القافلة البرية، تتكامل الجهود مع قوافل بحرية كقافلة “مادلين”، التي تم اعتراضها من قبل الاحتلال، وقوافل جوية قيد التحضير، تضم نشطاء من أكثر من 20 جنسية، في تحرك شعبي عابر للقارات.
وتشارك نقابة الصحافيين التونسيين، وعدد كبير من المنظمات النقابية والحقوقية، في القافلة، معتبرين أنها تمثل تعبيراً شعبياً حقيقياً عن الدعم لفلسطين، ومبادرة تمثل تونس وكل أحرار المغرب الكبير.
القافلة تتحدى التواطؤ الرسمي
تعكس قافلة الصمود وما تواجهه من تحريض، حقيقة التحالفات الإقليمية القائمة: محور شعبي عروبي إنساني يتحرك دعماً لغزة، في مواجهة محور رسمي متخاذل، يشارك في الحصار ويراهن على تركيع المقاومة.
اعتراض القافلة، إن حدث، لن يكون مجرد عقبة لوجستية، بل سيكون شهادة دامغة على من يقف إلى جانب الاحتلال، ومن يقف في وجهه. رفض مصر لعبور القافلة لن يمرّ بصمت، وسيزيد من عزلة النظام الرسمي، وسيكشف ازدواجية الخطاب بين ما يُقال في القمم العربية، وما يُنفذ على الأرض.
وإنّ قافلة الصمود، بتنوعها وجرأتها، تمثل اليوم أحد أنصع تعبيرات المرحلة: الشعوب تقاوم، الأنظمة تقمع، والاحتلال يراهن على استمرار هذا الفصل. لكن غزة، كما دائماً، توحد الشرفاء، وتفضح المتآمرين.
ويشدد المراقبون على أن قافلة الصمود تتحرك اليوم على الأرض، لكن صدها – إن تم – سيُسجل مجددًا على لائحة العار، وسيزيد من اتساع الهوة بين الأنظمة المتخاذلة وشعوبها التي ترى في غزة رمزًا للصمود، وفي فلسطين بوصلتها الوحيدة.