تحليلات واراء

قضية ملاك فضة تكشف شبكة فساد بين المستشفى الميداني الأردني وعصابة أبو شباب

أثارت قضية سفر الناشطة ملاك فضة من قطاع غزة جدلاً واسعاً بعدما تبيّن أن خروجها لم يتم عبر القنوات الرسمية التابعة لوزارة الصحة في غزة، بل من خلال شبكات موازية مرتبطة بالمستشفى الميداني الأردني وعصابة ياسر أبو شباب، ما فتح الباب أمام تساؤلات جدية حول الفساد واستغلال معاناة المرضى لتحقيق مكاسب مالية وشخصية.

إذ كشف الدكتور محمد الهوبي، جراح الدماغ والعمود الفقري في غزة، أن شقيق ملاك فضة أُصيب إصابة خطيرة في الرأس، وخضع لعملية جراحية بتاريخ 13 يونيو في مجمع ناصر الطبي، حيث استقرت حالته الصحية وخرج لاحقاً من المستشفى.

وذكر الهوبي أن طلبات متعددة قُدمت إليه لكتابة تحويلة طبية لشقيق فضة، لكن تم رفضها بشكل قاطع لأن حالته لم تكن تستدعي السفر.

وبحسب المعلومات، وبعد رفض وزارة الصحة تحويل شقيقها للعلاج، جرى الالتفاف على القرار من خلال تنسيق مباشر مع أحد المستشفيات الميدانية العاملة في غزة، دون علم أو موافقة الوزارة.

وعليه تمكنت ملاك فضة، بدلاً من شقيقها، من مغادرة القطاع مستخدمة ملفاً طبياً يفيد بأنها بحاجة لعلاج لحصوة، في وقت أكدت مصادر طبية داخلية أن “الوزارة لم تمنح أي موافقات لخروج ملاك فضة”، وأن ما جرى “تم عبر تنسيقات خاصة خارجية لا علاقة للوزارة بها”.

المثير للجدل أن ملفها قُبل بسرعة قياسية، في وقت ينتظر فيه آلاف المرضى الآخرين منذ شهور وربما سنوات موافقة على السفر لتلقي العلاج، ما يثير شبهة شراء التنسيقات وتحويل الحق الإنساني في العلاج إلى سلعة خاضعة لقوانين السوق السوداء.

من هي ملاك فضة؟

على مدى أشهر، قدّمت ملاك فضة نفسها كـ”ناشطة إنسانية” تعمل على جمع التبرعات لمساعدة النازحين والجرحى في قطاع غزة. وظهرت في صور وتصريحات إعلامية تتحدث عن مشاريع إغاثية لصالح العائلات المنكوبة.

لكن تقارير متطابقة كشفت أن حسابات مصرفية خارجية مرتبطة بها احتوت على مئات آلاف الدولارات. الأموال التي كان يُفترض أن تُخصص لإطعام الجائعين وتوفير الدواء للمرضى، يشتبه بأنها استُخدمت لتمويل هروبها من القطاع، ما يثير سؤالاً مركزياً: أين ذهبت ملايين الدولارات التي جمعتها فضة؟

والقضية لم تتوقف عند شخصية ملاك فضة وحدها، بل امتدت لتكشف عن وجود شبكات تنسيق غير رسمية تستفيد من علاقاتها مع بعض المستشفيات الميدانية، ومنها المستشفى الأردني في غزة.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن هذه الشبكات ترتبط بشكل أو بآخر بعصابة ياسر أبو شباب، التي سبق وأن اتهمت بتهريب عناصر وتنسيق سفر غير قانوني تحت غطاء إنساني.

ويعكس هذا الربط بين “العمل الإغاثي” و”العمل الإجرامي” تحول بوابات غزة إلى سوق سوداء تتحكم فيها مجموعات نافذة، قادرة على تسهيل الخروج مقابل آلاف الدولارات، في وقت يظل فيه عشرات آلاف المرضى بلا أمل في العلاج.

كم جمعت ملاك فضة من أموال التبرعات؟

بينما تمكنت ملاك فضة من الخروج خلال أيام قليلة، ما زالت قوائم انتظار المرضى في غزة مكتظة بحالات حرجة، بينها مرضى السرطان والفشل الكلوي والإصابات الخطيرة. كثير منهم ينتظرون منذ أكثر من عام دون الحصول على فرصة للسفر، بسبب القيود الإسرائيلية أو ضعف قدرة وزارة الصحة.

وتكشف هذه المفارقة الصارخة بين “من يدفع يخرج” ومن يبقى أسير المرض والحصار، حجم المأساة التي يعيشها القطاع. إنها ليست مجرد أزمة سياسية أو حصار عسكري، بل انهيار أخلاقي يحوّل الحق في الحياة إلى امتياز يُباع ويُشترى.

وعليه طالب ناشطون بفتح تحقيق مستقل في القضية، يشمل تتبع الأموال التي جمعتها ملاك فضة، ومراجعة ملفات المستشفى الميداني الأردني، والبحث في دور عصابة ياسر أبو شباب في تسهيل عمليات السفر غير القانونية.

دلالات قضية ملاك فضة

فضح هشاشة المنظومة الصحية: إذ أثبتت أن القرارات الطبية يمكن الالتفاف عليها بتنسيق غير رسمي.

تآكل الثقة بالعمل الإنساني: حيث تحولت التبرعات إلى مصدر شبهة فساد بدلاً من أن تكون وسيلة دعم للمنكوبين.

تكريس السوق السوداء للسفر: التي جعلت حياة الناس خاضعة للقدرة المالية لا للحاجة الإنسانية.

تعقيد الوضع السياسي: فارتباط المستشفى الميداني الأردني والعصابات المحلية بهذه الشبكات يهدد سمعة الأطراف المشاركة ويزيد من انعدام الثقة.

وبالمحصلة فإن قضية ملاك فضة ليست مجرد قصة ناشطة هربت من غزة عبر أوراق مزورة، بل مرآة تعكس تشابك الفساد والاحتيال مع العمل الإنساني، وتكشف كيف تحولت معاناة المرضى والجرحى إلى باب للثراء والتهريب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى