السحر ينقلب على الساحر… قصف الدوحة يعزز رواية حماس

انقلب الهجوم الإسرائيلي الأخير باستهداف وفد حركة حماس المفاوض في العاصمة القطرية الدوحة، والذي فشل في تحقيق أهدافه المباشرة، إلى ورقة سياسية لصالح الحركة، بل منحها دفعة غير متوقعة على عدة مستويات: فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا.
ورغم أن تل أبيب كانت تراهن على أن الضربة ستضعف موقف حماس في المفاوضات الجارية حول وقف إطلاق النار في غزة وإرغامها على تقديم تنازلات، إلا أن النتيجة جاءت معاكسة، إذ برزت الحركة كطرف أكثر صلابة، وازدادت قناعة الرأي العام بأن إسرائيل هي المعطل الحقيقي لأي تسوية.
فمن الناحية الميدانية، أخفقت دولة الاحتلال في اغتيال قادة الصف الأول الذين استهدفتهم. فقد أعلنت حماس أن كبار المسؤولين المفاوضين نجوا من الهجوم، وهو عزز صورة الحركة كتنظيم صامد يتجاوز محاولات التصفية المتكررة.
سياسيًا، شكّل الحدث إحراجًا كبيرًا لإسرائيل أمام الرأي العام العالمي، خاصة أن العملية استهدفت وفدًا موجودًا في دولة وسيطة تلعب دورًا حاسمًا في محادثات التهدئة. وبذلك بدت تل أبيب وكأنها تضرب قلب الوساطة لا الخصم فقط، ما أظهرها طرفًا غير جدير بالثقة أو الالتزام الدبلوماسي.
حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة
قبل القصف، كانت حماس تواجه ضغوطًا متزايدة من المفاوضات التي قادتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تضمنت تنازلات جوهرية، من بينها قبول ترتيبات أمنية موسعة وتنازلات في ملف الأسرى وإدارة غزة.
لكن الضربة على الدوحة منحت الحركة مخرجًا سياسيًا من هذا المأزق؛ إذ بات بإمكانها القول إن دولة الاحتلال نفسها نسفت قواعد اللعبة التي فرضتها واشنطن.
وبذلك، خرجت حماس من “الخديعة التفاوضية” دون أن تظهر بمظهر الطرف الرافض لاتفاق وقف إطلاق النار، بل كضحية لمحاولة اغتيال في قلب المفاوضات.
الهجوم الإسرائيلي على قطر
أحد أهم نتائج القصف كان ارتفاع رصيد حماس شعبياً. في الشارع الفلسطيني، بدت الحركة أكثر تماسكا، إذ نجت قيادتها وظهرت كهدف رئيسي في معركة مفتوحة مع دولة الاحتلال، ما يبدد المزاعم التي روّجتها تل أبيب عن “قادة الفنادق” البعيدين عن المعاناة.
إذ ولأشهر طويلة، سعت دولة الاحتلال لتصوير وفد حماس المفاوض في الخارج على أنهم “قادة رفاهية”، يعيشون في الفنادق الفاخرة بعيدًا عن الواقع الميداني في غزة. لكن استهدافهم في الدوحة، ومحاولة تصفيتهم وسط دور الوساطة، قوّض هذه الرواية تمامًا.
فالهجوم أظهر أن هؤلاء القادة على خط المواجهة المباشر، وأن إسرائيل تعتبرهم أخطر من أن يُتركوا أحياء، ما يدحض المزاعم الدعائية بأنهم معزولون أو عديمو التأثير.
وعلى المستوى العربي، أعاد الهجوم التذكير بأن حماس خط الدفاع الأول في مواجهة دولة الاحتلال. وللمفارقة، وجد كثير من المتابعين أن الضربة عززت صورة الحركة كجزء من معركة شاملة يتعرض لها الفلسطينيون، لا كفصيل يسعى إلى امتيازات خاصة.
إدانة إسرائيل بعرقلة التهدئة
على صعيد المفاوضات، أدى الهجوم إلى تبديد أي شكوك في أن وفد حماس هو من يعرقل التوصل لاتفاق. فقد أصبح من الواضح أن دولة الاحتلال بتغولها العسكري، هي التي أخرجت المسار السياسي عن مساره.
وانعكس هذا الموقف في تصريحات الوسطاء، من قطر ومصر وحتى السلطة الفلسطينية، الذين أجمعوا على تحميل نتنياهو المسؤولية عن إفشال جهود وقف إطلاق النار. وبذلك، خرجت حماس من دائرة الاتهام وألقت الكرة في ملعب تل أبيب.
كما أن الهجوم على العاصمة القطرية، وهي دولة تستضيف أهم قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، أثار قلقًا دوليًا كبيرًا. فقد بدت دولة الاحتلال وكأنها تجازف بفتح جبهة دبلوماسية جديدة مع حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة في الخليج.
وتناولت الصحافة الغربية الهجوم الإسرائيلي بانتقاد واضح، مشيرة إلى أنه يعكس “استعداد إسرائيل لتجاوز كل الخطوط الحمراء”، حتى على حساب أمن حلفائها ومصداقية الوسطاء. هذا الخطاب عزز موقف حماس كضحية لعدوان غير منضبط، في مقابل صورة دولة الاحتلال كطرف يغامر بالاستقرار الإقليمي.
يضاف إلى ذلك أن استهداف وفد حماس في الدوحة لم يكن مجرد حادث عابر، بل حمل تبعات دبلوماسية أوسع. فقد اعتبرت قطر الهجوم خرقًا خطيرًا لسيادتها، وردت ببيانات إدانة حادة، مشيرة إلى أن العملية تقوّض دورها كوسيط.
كما تنظر دول خليجية أخرى بقلق إلى هذا التطور، إذ ترى أنه يشكل سابقة خطيرة قد تجعل أراضيها عرضة لاستهدافات مماثلة في حال استضافت محادثات أو شخصيات معارضة لإسرائيل. وبذلك، قد يتحول الهجوم إلى نقطة توتر دائمة بين تل أبيب والعواصم الخليجية.
بكلمات أخرى، السحر انقلب على الساحر. فقد تحولت العملية العسكرية إلى هدية سياسية لحماس، وأكدت مرة أخرى أن دولة الاحتلال بسلوكها العدواني، تقوّض فرص التسوية وتعمّق عزلة نفسها إقليميًا ودوليًا.