تحليلات واراء

عباس يفتح الأبواب الرسمية لتوني بلير “عراب مشروع تهجير غزة”

في انخراط خطير بمشاريع تهجير غزة وفرض التقسيم ديموغرافي للقطاع، اجتمع عباس مساء الأحد مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والمبعوث السابق للجنة الرباعية الدولية، توني بلير، في العاصمة الأردنية عمّان.

ويعد اللقاء بحسب مراقبين، بمثابة إشارة من عباس لفتح الباب رسميًا أمام توني بلير، ذلك الوجه الذي بات يُنظر إليه كـ”عراب مشروع تهجير غزة” عبر خططه المشبوهة لإعادة إعمار القطاع وتحويله إلى مساحة استثمارية مهيمنة عليها إسرائيل ومصالح دولية.

ويؤكد المراقبون أن لقاء عباس مع توني بلير في عمّان ليس حدثًا عاديًا، بل هو مؤشر خطير على اتجاهات سياسية قد تحمل في طياتها تهديدات حقيقية لوجود الفلسطينيين في قطاع غزة، وربما لكل المشروع الوطني الفلسطيني.

عباس وبلير… تنسيق في خضم الحرب

رغم المأساة التي يعانيها قطاع غزة تحت وابل القصف والحصار الخانق، تحدث عباس في لقائه مع بلير عن “انسحاب إسرائيلي كامل من غزة وتمكين دولة فلسطين من تولي مسؤولياتها”.

وذلك في موقف نظري يدعو للسلام والشرعية، لكنه في الواقع يفتح ثغرة واسعة لتمرير الخطط التي يُروج لها بلير ومعهد “توني بلير للتغيير العالمي” (TBI)، والتي تسعى إلى إعادة تشكيل القطاع بطرق تخدم المصالح الغربية والإسرائيلية.

المفارقة أن عباس طالب خلال اللقاء حركة حماس بتسليم السلاح والانخراط في العملية السياسية وفق برنامج منظمة التحرير، وهو مطلب يتماهى مع الرؤية الغربية التي تسعى لتفكيك المقاومة كقوة فاعلة، وتسليم غزة بالكامل إلى إدارة تُخضع للضغوط الخارجية والإسرائيلية، فيما تبدو المبادرات على أرض الواقع في غاية البعد عن تحرير أو استعادة الأرض، بل تحولت إلى تفريغ فعلي للقطاع من أهله وتاريخه.

مشروع إعادة إعمار غزة: غطاء لتهجير جماعي

يواجه معهد توني بلير اتهامات متزايدة بالمشاركة في خطط لإعادة إعمار غزة، خطط تحمل في طياتها نوايا تهجير قسري ممنهج.

فقد كشفت تقارير صحفية دولية، وعلى رأسها “فاينانشال تايمز” وموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن وثائق سرية تكشف عن عرض تقديمي بعنوان “الثقة العظيمة”، أعدته مجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين بدعم استشاري من مجموعة “بوسطن الاستشارية” (BCG)، يقترح مشاريع ضخمة لإعادة تطوير القطاع، مع افتراضات خطيرة بأن 25% من سكان غزة سيغادرون “طواعية” ولن يعودوا.

هذه الأفكار ليست سوى محاولات لتبييض صفحة التطهير العرقي والتغيير الديموغرافي، عبر تقديمها بلباس اقتصادي استثماري مزعوم، وتحويل غزة إلى نسخة شبيهة بجزر اصطناعية مثل تلك في دبي، تحمل أسماء مشاريع استثمارية مرموقة باسم قادة خليجيين، ما يعكس محاولة لربط المشروع بمصالح إقليمية كبيرة لتوفير غطاء سياسي.

تورط معهد توني بلير

معهد “توني بلير للتغيير العالمي” نفى في البداية أي تورط مباشر في إعداد هذه الخطط، إلا أن الأدلة التي كشفت عنها الوثائق أظهرت أن موظفين في المعهد شاركوا في اجتماعات ومناقشات مع مستشاري BCG ومنظمين إسرائيليين، رغم محاولة المعهد التراجع لاحقًا والقول إن دور بلير كان “في وضع استماع فقط”.

وهذا التورط يعيد إلى الواجهة الاتهامات المتكررة ضد بلير ومعه معهد TBI، الذين لم يبتعدوا عن دعم سياسات تستهدف الفلسطينيين، سواء عبر دعم المستوطنات أو تمويل شبكات إسلاموفوبيا، إضافة إلى ارتباطات بمشاريع تخدم الاحتلال وتوطئ له سيطرته على الأرض.

عباس… شريك غير مباشر في تهجير غزة؟

فتح محمود عباس هذا اللقاء مع بلير، رغم كل الأدلة على نوايا الأخير المشبوهة، يشير إلى موقف فلسطيني رسمي متهاون أو متواطئ مع مشاريع التهجير والتطهير العرقي تحت شعار السلام والاستقرار.

فالخطاب الرسمي الذي يؤكد على ضرورة تسليم السلاح وانخراط المقاومة في العمل السياسي وفق برامج منظمة التحرير، يتماهى مع الخطط التي تهدف إلى إضعاف المقاومة، وجعل السلطة الفلسطينية الواجهة التي تمر من خلالها مشروعات الاحتلال، بما في ذلك إعادة الإعمار المشروطة.

هذه السياسات تؤدي عمليًا إلى تفريغ غزة من مقاومتها الشعبية، وفتح الباب أمام تهجير قسري متسارع، وإعادة رسم خارطة القطاع على مقاس مصالح الاحتلال والدول الغربية.

مشاريع اقتصادية تغلف التهجير

تتضمن الخطة المقترحة بناء ميناء عميق المياه لربط غزة بممر نقل دولي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، وإنشاء جزر اصطناعية تحمل أسماء مشاريع استثمارية مثل “حلقة محمد بن سلمان” و”مركز محمد بن زايد”، وهي محاولة مكشوفة لاستقطاب رؤوس الأموال الخليجية، وربط المشروع بالأنظمة الحاكمة في المنطقة، مقابل تهميش السكان الأصليين.

إضافة إلى ذلك، يقترح المشروع وضع الأراضي العامة تحت إدارة صندوق خاص تسيطر عليه إسرائيل، ويدعي نزع السلاح والتطرف، مع منح أصحاب الأراضي الخاصة رموزًا رقمية مقابل التنازل عن حقوقهم، ما يُعدّ محاولة لتغليف التهجير القسري بغلاف رقمي واقتصادي يبدو أكثر “حداثة” لكنه في جوهره تهجير بالقوة والإكراه.

كيف ينظر الفلسطينيون لهذه الخطة؟

ترفض غالبية الفلسطينيين، خاصة في غزة، هذه المشاريع التي يرونها محاولة لتصفية قضيتهم عبر إبعادهم عن أرضهم وإعادة تشكيل التركيبة السكانية لصالح الاحتلال والمستثمرين الدوليين.

الرفض الشعبي الذي شهدناه في أوقات سابقة تجاه “صفقة القرن” وغيرها من المبادرات التي تستهدف تفكيك القضية الفلسطينية، يتكرر اليوم ضد هذه الخطط التي تُحاك خلف الكواليس، ويزداد قلق الفلسطينيين من أن السلطة الفلسطينية تتعامل بتساهل أو حتى تعاقد غير معلن مع هذه المشاريع، مقابل مكاسب سياسية أو بقاء في السلطة.

وإن فتح الأبواب الرسمية لتوني بلير “عراب مشروع تهجير غزة”، وتكرار خطابات التسليم للمطالب الغربية، والتماهي مع مشاريع الاحتلال، هو انكشاف مدوي لحقيقة أن بعض القيادات الفلسطينية لم تعد تعكس إرادة شعبها في المقاومة والدفاع عن حقوقه، بل باتت جزءًا من شبكة مصالح إقليمية ودولية تسعى لتصفية القضية عبر إعادة رسم خريطة جغرافية واقتصادية تخدم الاحتلال وتزيح السكان الأصليين.

ففي الوقت الذي يقتل فيه آلاف الفلسطينيين تحت القصف والحصار، تتجلى هذه اللقاءات والمؤتمرات كإشارات خطيرة على أن المعركة ليست فقط ميدانية، بل سياسية واستراتيجية، وأن الاحتلال يستثمر في كل الاتجاهات، حتى في مراكز القرار الفلسطينية نفسها، لتمرير مخططاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى