
وسط دمار هائل ونزوح قسري يطوّق مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة، تسوّق إسرائيل لمخطط ضخم تحت عنوان “المدينة الإنسانية” والذي تزعم أنه سيُقام في رفح. لكن خلف الاسم الناعم، تتكشّف ملامح مشروع أمني معقّد، يثير خلافات داخل القيادة الإسرائيلية نفسها، ويثير قلقًا متزايدًا في الأوساط الحقوقية الدولية.
صدام داخل حكومة الاحتلال
وخلال اجتماع سياسي وأمني مغلق، نشب خلاف حاد بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش إيال زامير. الأخير حذّر من أن المشروع سيشكل عبئًا أمنيًا ضخمًا، ويتطلب نشر قوات بحجم فرقة عسكرية كاملة لتأمين المدينة، ما قد يؤثر على العمليات العسكرية الجارية ضد غزة.
ولم يكن زامير وحده في موقفه، إذ انضم إليه زعيم المعارضة يائير لابيد، مؤكدًا أن المشروع يفتقد لأي رؤية سياسية أو إنسانية حقيقية.
الرهان على الخليج
وتشير مصادر عبرية إلى أن “المدينة” ستُقام على أنقاض الأحياء الجنوبية الشرقية من رفح، وهي مناطق دُمرت بالكامل خلال الشهور الماضية.
والمساحة المخصصة للمشروع قد تصل إلى 25 كيلومترًا مربعًا، ما يعادل ثلث مساحة رفح تقريبًا.
ومن المرجح أن تشمل المناطق: البرازيل، الجنينة، الشعوت، التنور، الصوفي، خربة العدس، وغيرها. المناطق التي استُهدفت عسكريًا قد تتحول قريبًا إلى “مخيم دائم” تحت السيطرة الإسرائيلية.
وتقدّر تكلفة المشروع بـ15 مليار شيقل (نحو 4 مليارات دولار). رغم مصادقة وزارة المالية الإسرائيلية على ميزانية أولية، إلا أن التوقعات تشير إلى أن تل أبيب تراهن على تمويل سعودي وإماراتي لاحقًا، في إطار ما تسميه “إعادة إعمار غزة”.
ولكن خبراء ومحللين يؤكدون أن هذا السيناريو غير مضمون، وأن الدول العربية قد تتجنب ربط نفسها بخطة تتضمن تهجيرًا طويل الأمد للفلسطينيين.
عزل نازحي غزة في رفح
وتشمل الخطة فرض نظام أمني شديد داخل المدينة. الدخول سيكون عبر بوابات إلكترونية ذكية مزوّدة بكاميرات وتكنولوجيا التعرف على بصمة العين، ولا يُسمح بدخول من لا يجتاز “الفرز الأمني الإسرائيلي”.
ويُحظر على سكان المدينة مغادرتها إلا بتصاريح محددة. حقوقيون شبّهوا المدينة بـ”معسكر اعتقال مفتوح”، يُدار تحت ستار إنساني بينما جوهره أمني – استيطاني بامتياز.
ووصفت وكالة الأونروا و”هيومن رايتس ووتش” و”أوكسفام” وغيرهم من الجهات الحقوقية الدولية، المشروع بأنه تهجير جماعي قسري، يُخالف اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل السكان المدنيين تحت ذرائع عسكرية.
كما وصف رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت الخطة بأنها “إهانة أخلاقية وخطر على سمعة إسرائيل في العالم”، متسائلًا عن جدوى تحويل غزة إلى سجون ومعسكرات بدلًا من الحل السياسي.
ويرى خبراء ومحللون أن ما يُروّج له تحت اسم “المدينة الإنسانية” لا يتعدّى كونه مشروعًا سياسيًا وأمنيًا يسعى إلى تفريغ شمال غزة من سكانه، وفرض واقع تقسيمي جديد في القطاع، عبر إنشاء مناطق مغلقة تُدار أمنيًا دون أي دور فلسطيني فعلي.
وبحسب تقديراتهم، فإن المدينة تتحوّل عمليًا إلى أداة هيمنة طويلة الأمد، تُستخدم للسيطرة على أكثر من نصف مليون نازح، ضمن سياسة تُعيد تشكيل الجغرافيا السكانية لغزة تحت غطاء إنساني مضلل.