
منذ اندلاع المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل في 13 يونيو/حزيران، تسير آلة الاحتلال في الضفة الغربية بوتيرة متسارعة لفرض واقع جديد على الأرض، مستغلة انشغال الإقليم بالتطورات العسكرية الكبرى.
وتعيش مدن الضفة وقراها تحت حصار عسكري مشدد، يشمل إغلاق مداخل المدن، ونصب الحواجز، ومنع فتح المحال التجارية، إضافة إلى التضييق على العبادة في المسجدين الأقصى والإبراهيمي.
وفي ظل ذلك، تواجه السلطة الفلسطينية موجة انتقادات حادة بسبب غياب ردّها، واستمرار تنسيقها الأمني مع الاحتلال، الأمر الذي يرى فيه مراقبون صمتًا يشرّع تمدد إسرائيل.
السلطة عاجزة أمام التمدد الإسرائيلي
وحذّر نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، حسن خريشة، من أن إسرائيل تستغل الوضع الإقليمي الحالي لتوسيع سيطرتها على الأرض الفلسطينية، من خلال سلسلة إجراءات هدفها تفاقم الأزمة وخلق أزمات معيشية واقتصادية وأمنية جديدة.
وأكد خريشة في تصريحات صحفية أن الاحتلال لا يكتفي بهدم البيوت وتهجير المواطنين، بل يوسع شوارع المستوطنات، ويفرض منع التجول في مناطق متعددة، ويقيم بوابات حديدية تسد مداخل المدن، ما يُفاقم عزلة الفلسطينيين ويفرض واقعًا جديدًا على الأرض.
وطالب خريشة السلطة الفلسطينية بالخروج من حالة الجمود السياسي والقيام بتحركات عاجلة على المستوى الدولي، خاصة في ظل تصاعد موجة التعاطف الأوروبي مع القضية الفلسطينية، والتي تُعد فرصة يجب عدم إهدارها.
وفيما يخص الوضع الاقتصادي، نبه خريشة إلى أن الاحتلال يسعى لتقويض النظام المالي الفلسطيني من خلال فصل البنوك المحلية عن النظام المصرفي الإسرائيلي، ما أدى إلى أزمة سيولة خانقة تهدد الاستقرار الاقتصادي وتُضعف قدرة الناس على مواجهة ظروف الحياة القاسية.
وأضاف أن هذه السياسات تشمل أيضًا استهداف المحال التجارية ومحلات الصرافة بهدف خلق شلل اقتصادي يُنهك المجتمع الفلسطيني ويشغله في البحث عن البقاء اليومي بدلاً من التمسك بحقوقه الوطنية.
السلطة باتت أسيرة لدى الاحتلال
أما القيادي في حركة فتح، منذر ارشيد، فقد اعتبر أن السلطة الفلسطينية وصلت إلى لحظة النهاية، بعد أن قدّمت للاحتلال كل ما يمكن تقديمه من خدمات أمنية، دون أن تلقى أي مقابل سوى الإهانة والتجاهل.
وفي منشور له على حسابه على فيسبوك، شبّه ارشيد السلطة بـ”النحلة التي تموت بعد أن تقدم عسلها”، مشيرًا إلى أن إسرائيل لم تعد ترى قيمة لوجود السلطة، بعد أن استنزفتها أمنيًا وسياسيًا.
ورأى أن السلطة أصبحت رهينة الاحتلال بالكامل، وتفتقد لأي قدرة على المبادرة أو التحرك، مشيرًا إلى أن محاولات الاستنجاد بدول الخليج أصبحت غير مجدية، خاصة بعد أن ربطت الولايات المتحدة تقديم الدعم المالي بموافقتها المباشرة، في رسالة واضحة مضمونها: “لولانا لما بقيتم يومًا واحدًا”.
وشدد ارشيد على أن التجويع الاقتصادي هو آخر أسلحة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، في إطار “حرب ناعمة” تستهدف كي وعي الجماهير، وتفريغهم من أي طموح وطني، مشيرًا إلى أن اتفاق باريس الاقتصادي هو الجذر الحقيقي لأزمة الاقتصاد الفلسطيني، والذي حوّل أبناء الشعب إلى باحثين عن لقمة العيش على حساب قضيّتهم المركزية.
الضفة تُحاصر والاحتلال يبتلع ما تبقّى
وفي ظل اشتداد الحصار وتوسّع الحواجز وسياسات العقاب الجماعي، تتحرك إسرائيل لتفريغ الضفة الغربية من أهلها أو من إرادتهم، بينما تبدو السلطة الفلسطينية خارج الحسابات، غائبة عن المشهد، وغير قادرة على مواكبة خطورة اللحظة.
وبينما تعمّق إسرائيل مشروعها الاستيطاني، يتدهور الوضع المعيشي في الداخل، وتتآكل الثقة الشعبية في مؤسسات الحكم.
ووسط هذا كله، تتعالى الأصوات المطالبة بتغيير جذري في نهج السلطة ومواقفها، كي لا تتحوّل إلى شاهد صامت على ابتلاع ما تبقّى من الوطن.