تحليلات واراء

سمير حليلة… رجل الأعمال المطبّع المرشح لفرض وصاية على غزة

في ذروة حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، وبينما يعيش القطاع أسوأ كارثة إنسانية في تاريخه، برز اسم سمير حليلة كمرشح لقيادة ما يسمى “لجنة حكم غزة” في إطار ترتيبات “اليوم التالي” التي تسعى الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي إلى فرضها على سكان القطاع.

الترويج لهذا الدور جاء عبر وسائل إعلام عبرية، وفي مقدمتها صحيفة يديعوت أحرونوت، في خطوة تكشف بوضوح توجهات هذه الخطة: إقصاء المقاومة، وإحلال قيادة مُختارة من غرف المخابرات، بلا أي شرعية وطنية أو أخلاقية.

من هو سمير حليلة؟

ولد سمير عثمان محمود حليلة في مايو 1957، ويقدم نفسه كاقتصادي ورجل أعمال وسياسي فلسطيني، لكنه في الواقع أحد أبرز وجوه المنظومة الاقتصادية والسياسية التي نسجت علاقات وثيقة مع الاحتلال الإسرائيلي.

مع تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994، تولى منصب الوكيل المساعد لوزارة الاقتصاد والتجارة حتى 1997، ثم شغل لاحقاً منصب الأمين العام لحكومة أحمد قريع الثالثة، ورئاسة مجالس إدارات عدة مؤسسات اقتصادية، بينها معهد الأبحاث الاقتصادية ومركز التجارة الفلسطيني وشركة باديكو، إضافة إلى عضويته في مجالس شركات تابعة لكبار مسؤولي السلطة، كثير منها على صلات مباشرة بالإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية.

في أغسطس 2022، أصبح رئيساً لمجلس إدارة بورصة فلسطين، وظل في منصبه حتى مارس 2025.

لكن سجله الأبرز ليس في الاقتصاد وحده، بل في ترويجه للتطبيع الاقتصادي والسياسي مع دولة الاحتلال، وكونه أحد الوجوه التي تقدم نموذج “التعايش الاقتصادي” المزعوم، والذي يخدم أولاً وأخيراً أجندة الاحتلال.

أحد عرابي التطبيع في الضفة الغربية

يُعد حليلة من أبرز عرابي التطبيع الاقتصادي في الضفة الغربية، حيث نسج على مدى عقود علاقات متينة مع كبار المسؤولين الإسرائيليين في الإدارة المدنية، ما جعله شخصية “موثوقة” لدى الاحتلال.

هذه الثقة الإسرائيلية به ليست صدفة، بل نتاج سنوات من العمل في مشاريع اقتصادية مشتركة أو متقاطعة، وتبني خطاب يبتعد عن أي مواجهة أو مقاومة، ويركز على “التنمية” في ظل الاحتلال، لا إنهائه.

الأخطر أن حليلة يستند في تحركاته السياسية على غطاء رسمي من السلطة الفلسطينية، ويعلن باستمرار أن مرجعيته هي الرئيس محمود عباس، في وقت يتعامل فيه مع عروض ومقترحات أمريكية وعربية – من دول التطبيع تحديداً – لتولي لجنة حكم غزة.

اعترافات تكشف الدور المشبوه

اعترف حليلة علناً بأنه تلقى عدة مقترحات أمريكية لتولي لجنة إدارة غزة، بالتنسيق مع دول عربية مطبّعة، لكنه لم يبد أي نية للتشاور مع فصائل المقاومة أو القوى الشعبية في القطاع.

هذه النقطة وحدها تكشف عن طبيعة الدور المطلوب منه: إقصاء المقاومة بالكامل من المشهد، وفرض إدارة تخضع لشروط الاحتلال وواشنطن.

كما نقلت يديعوت أحرونوت أن جهود الدفع باسمه يقودها اللوبيست الإسرائيلي المقيم في كندا آري بن مناشيه، وأن القضية تسارعت خلال الأسابيع الأخيرة عبر لقاءات أمريكية واتصالات أجراها حليلة في القاهرة، مما يعكس تنسيقاً إقليمياً ودولياً محكماً لتمرير هذه الخطة.

مشروع بلا شرعية

الخطورة في ترشيح حليلة لا تكمن فقط في شخصه أو مواقفه السابقة، بل في الفكرة التي يمثلها: تحويل غزة، بعد حرب الإبادة، إلى كيان تديره لجنة وصاية برعاية أمريكية – إسرائيلية – عربية، دون أدنى اعتبار لإرادة سكان القطاع أو دماء شهدائه.

قبول حليلة لعب هذا الدور يجعله شريكاً في مشروع الاحتلال لإعادة هندسة الواقع السياسي في غزة، وتصفية القضية الوطنية عبر بوابة “الإدارة المدنية المؤقتة” التي قد تتحول إلى أمر واقع دائم، كما حدث في تجارب دولية أخرى.

تواطؤ مع الإقصاء السياسي

غياب أي اتصالات بين حليلة وفصائل المقاومة ليس مجرد تفصيل، بل خيار متعمد، يؤكد أن الخطة تقوم على إقصاء هذه الفصائل من أي ترتيبات مستقبلية.

هذه السياسة ليست جديدة؛ فالاحتلال وحلفاؤه يكررون محاولة إنتاج قيادة “بديلة” يتم اختيارها من خارج سياق النضال الفلسطيني، لتكون أداة في تمرير مشاريع التسوية التي فشلت طوال عقود.

وحليلة، الذي راكم نفوذه من خلال شبكة مصالح اقتصادية مع السلطة والاحتلال، يجسد نموذج “رجل الأعمال السياسي” الذي يستخدم موقعه الاقتصادي للعب أدوار سياسية خطيرة.

وعلاقاته مع الإدارة المدنية الإسرائيلية لم تكن مجرد نشاط تجاري، بل شكلت قاعدة ثقة جعلت الاحتلال يراه مرشحاً مثالياً لفرض “استقرار أمني” يخدمه في غزة، عبر إدارة بيروقراطية منزوعة السلاح والمقاومة.

دلالات الخطة الإسرائيلية – الأمريكية

الحديث في الإعلام العبري عن شخصية مثل حليلة يعكس إدراكاً لدى الاحتلال أن الحسم العسكري في غزة لم يحقق أهدافه، وأن “اليوم التالي” يحتاج إلى أدوات مدنية – أمنية تقبل التعاون المباشر مع إسرائيل.

هنا، يظهر حليلة كخيار “مضمون” لأنه لا يشكل تهديداً للمصالح الإسرائيلية، ولديه سجل طويل في العمل ضمن منظومة لا تعارض الاحتلال جوهرياً.

رفض شعبي محتوم

يؤكد مراقبون أن أي محاولة لفرض شخصية مثل حليلة على غزة ستواجه برفض شعبي واسع؛ فالغزيون الذين دفعوا أثماناً باهظة في مواجهة الاحتلال لن يقبلوا بقيادة تُفرض عليهم من الخارج، خصوصاً إذا كانت هذه القيادة ذات علاقات وثيقة بالعدو، ولا تمثل أي مشروع تحرري أو وطني حقيقي.

ويرى المراقبون أن ترشيح سمير حليلة ليس حدثاً معزولاً، بل جزء من مشروع سياسي أوسع لإعادة تشكيل غزة بعد حرب الإبادة، على نحو يضمن أمن الاحتلال، ويقصي المقاومة، ويكرّس واقعاً من التبعية الاقتصادية والسياسية.

وقبوله لعب هذا الدور يعني أنه وضع نفسه في موقع الأداة التنفيذية لخطة الاحتلال وواشنطن، متخلياً عن أي اعتبارات وطنية أو أخلاقية، في لحظة يحتاج فيها الشعب الفلسطيني إلى قيادة مقاومة، لا وكلاء للمشاريع الاستعمارية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى