
أزاحت التحقيقات في غزة الستار عن واحدة من أخطر الجرائم الإنسانية، بعدما تم اكتشاف أقراص مخدرة من نوع ‘أوكسيكودون’ مخبأة داخل أكياس الطحين الموزعة عبر مراكز إغاثية يصفها السكان بـ”مصائد الموت”، والتي تُدار تحت إشراف جهات أمريكية وإسرائيلية.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فإن التحقيقات الميدانية وثّقت حتى اللحظة أربع شهادات منفصلة لمواطنين أكدوا عثورهم على هذه الأقراص داخل أكياس الطحين.
وأوضح أن هناك مؤشرات خطيرة على أن بعض هذه المواد قد تكون مطحونة أو مذابة عمدًا داخل الطحين نفسه، مما يضاعف من حجم الكارثة ويحول الطحين من مصدر بقاء إلى أداة تسميم جماعي.
جريمة منظمة “مخدرات داخل الطحين”
البيان الرسمي وصف ما جرى بأنه جريمة بشعة تم التخطيط لها بعناية لضرب النسيج المجتمعي الفلسطيني، من خلال استغلال الجوع والحصار لنشر الإدمان بين صفوف السكان، لا سيما في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة.
وأشار البيان إلى أن إدخال المواد المخدرة بهذه الطريقة يُعد انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني، وجريمة حرب مكتملة الأركان، محمّلًا سلطات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية المباشرة عن هذه الفعلة، باعتبارها امتدادًا لسياسة ممنهجة للإبادة الجماعية، لا تقتصر على القتل والتجويع، بل تتجاوز ذلك إلى الحرب النفسية والاجتماعية التي تستهدف تقويض صمود السكان من الداخل.
تحذيرات واسعة ودعوات لتدخل دولي
ووجّه المكتب الإعلامي تحذيرًا عاجلًا إلى المواطنين بضرورة تفتيش المواد الغذائية القادمة من هذه المراكز والتبليغ الفوري عن أي أقراص أو مواد مشبوهة، كما دعا العائلات إلى توعية أبنائها بخطر هذه السموم المموّهة تحت غطاء “المساعدات”.
وطالب الجهات الدولية، وعلى رأسها مجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، بالتحقيق الفوري وإغلاق هذه المراكز المشبوهة، والعمل على إدخال المساعدات حصريًا عبر القنوات الأممية والموثوقة، وفي مقدمتها وكالة “الأونروا”.
ما هو مخدّر “أوكسيكودون”؟
ويُعدّ “أوكسيكودون” من أقوى المسكّنات الأفيونية التي تُستخدم طبيًا لعلاج الآلام الشديدة، لكنه يُصنّف أيضًا كمادة مخدّرة عالية الخطورة، نظرًا لتأثيره المباشر على الجهاز العصبي وقدرته على إحداث نشوة سريعة تؤدي إلى الإدمان.
هذا الدواء لا يُصرف إلا بوصفة طبية، وتخضع تداوله لرقابة دولية مشددة، بعدما تسبّب في آلاف حالات الوفاة، خاصة في الولايات المتحدة، حيث كان عام 2011 السبب الأول للوفيات المرتبطة بالمخدرات.
ووجوده داخل مساعدات إنسانية موجّهة لغزة يُشكّل جريمة مركّبة تهدف إلى تدمير النسيج المجتمعي عبر نشر الإدمان تحت غطاء الإغاثة.
المساعدات تحوّلت إلى ساحة قتل
وفي ذات السياق، وجّه المفوض العام لوكالة “الأونروا”، فيليب لازاريني، انتقادات شديدة اللهجة لنظام توزيع المساعدات الحالي في غزة، مؤكدًا أنه تحوّل من وسيلة إنقاذ إلى ساحة موت حقيقية، راح ضحيتها أكثر من 549 مواطنًا خلال شهر واحد، إلى جانب إصابة أكثر من 4,000 آخرين، وفقدان العشرات أثناء محاولتهم الحصول على الطعام.
وفي بيان عبر منصة “إكس”، قال لازاريني إن المشاهد القادمة من الميدان تصوّر إطلاق نار عشوائي على الجوعى، وأطفال فُصلوا عن ذويهم وسط الفوضى والارتباك والصدمة.
وأضاف أن هذا النظام لا يمتّ بأي صلة للقيم الإنسانية، بل يخلو من أي أساس قانوني أو أخلاقي، ويُستخدم كأداة إذلال بدلاً من الإغاثة.
وأكد أن الوضع القائم لا يمكن السماح له بالاستمرار، داعيًا إلى وقف إطلاق نار فوري، ورفع الحصار بشكل كامل، وإعادة ملف المساعدات بالكامل إلى الأمم المتحدة، حتى يعود تدفق الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بطريقة آمنة ومنظمة.
إبادة جماعية مستمرة بصمت دولي
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، يشهد قطاع غزة عدوانًا إسرائيليًا غير مسبوق مدعومًا أمريكيًا، وصفته مؤسسات دولية وحقوقية بأنه إبادة جماعية تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري.
وأدى هذا العدوان حتى الآن إلى سقوط ما يقارب 189 ألف ضحية بين شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، مع استمرار فقدان أكثر من 11 ألف مدني، وتسجيل مجاعة أودت بحياة العشرات، بينهم أطفال.
وبينما تتوالى النداءات الدولية لوقف الجرائم المرتكبة بحق أكثر من مليوني إنسان في القطاع المحاصر، تواصل إسرائيل تجاهل كل القرارات والأوامر القضائية الدولية، مما يطرح تساؤلات جدّية حول دور المجتمع الدولي وقدرته على حماية القانون الإنساني ومنع تكرار مثل هذه الجرائم.