تحليلات واراء

مقترح “وديعة السلاح” بين صفاقة النظام المصري والتواطؤ مع الاحتلال

عاد ملف سلاح المقاومة الفلسطينية في غزة إلى واجهة النقاش الإقليمي والدولي بعد تسريب مقترح مثير للجدل يطالب بأن تضع حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة سلاحها في “وديعة” لدى مصر كشرط أولي لأي تسوية سياسية أو إنسانية.

ويكشف المقترح الذي تروج له بعض الدوائر المصرية بالتواطؤ مع قوى دولية وإسرائيلية، عن مستوى غير مسبوق من الصفاقة والانحطاط السياسي، ويضع مصر في موقع المتواطئ لا الوسيط.

والأخطر أن هذا الطرح بات مادة دسمة لتجييش الجيوش الإلكترونية ضد المقاومة ومحاولة تقويض شرعيتها الشعبية.

مستجدات مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة

تاريخيًا، شكل سلاح المقاومة في غزة خط الدفاع الأول أمام المشروع الصهيوني. كل المبادرات السابقة — سواء “التسوية” أو “التهدئة طويلة الأمد” — كانت تصطدم عند هذا الحاجز.

فالسلاح ليس مجرد أدوات قتالية، بل هو عنوان وجودي للمقاومة ومصدر توازن الردع الوحيد في مواجهة دولة الاحتلال.

لكن طرح “الوديعة” اليوم لا ينفصل عن سياق أوسع:

حرب إبادة إسرائيلية متواصلة ضد سكان غزة.

ضغط أميركي وأوروبي لتمرير تسوية تضمن أمن دولة الاحتلال قبل أي اعتبار إنساني.

وساطة مصرية تتحول تدريجيًا من دور “الضامن” إلى دور “الشريك” في حصار غزة.

مصر: الوسيط غير المؤتمن

النظام المصري في عهد عبد الفتاح السيسي فقد منذ سنوات أي رصيد في ملف القضية الفلسطينية.

التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال بلغ مستوى علنيًا، من إدارة معبر رفح إلى ضبط الحدود بشكل صارم يفاقم معاناة سكان القطاع.

الخطاب السياسي الرسمي يتبنى سردية الاحتلال حول “نزع سلاح غزة” باعتباره شرطًا للاستقرار.

ويكشف الواقع الميداني أن مصر تواطأت في خنق القطاع عبر الإغلاق المتكرر للمعابر والتضييق على إدخال الوقود والدواء.

في هذا السياق، يظهر مقترح “وديعة السلاح” كخطوة إضافية في مسار تفريغ المقاومة من مضمونها، تحت ستار “الحلول الوسطية” و”التهدئة المؤقتة”.

لكن الحقيقة أن مصر — بوضعها الحالي — لا يمكن أن تكون طرفًا محايدًا، بل هي طرف متورط في محاولة شل قدرة المقاومة على الصمود.

سلاح المقاومة الفلسطينية ويكيبيديا

المقترح المصري المسرب لم يأتِ فقط كمناورة سياسية، بل فتح الباب واسعًا أمام حملة منظمة على منصات التواصل الاجتماعي. الجيوش الإلكترونية الممولة من أنظمة عربية وإسرائيلية تلقفت الطرح وبدأت في ترويجه عبر زوايا متعددة:

تصوير المقاومة كعبء على الشعب الفلسطيني.

الادعاء بأن تسليم السلاح “وديعة” سيقود إلى رخاء اقتصادي ومعيشي.

التشكيك في نوايا قادة المقاومة والهجوم عليهم.

هذا التجييش الافتراضي يهدف إلى ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة، وإعادة إنتاج خطاب استسلامي يتماشى مع مصالح الاحتلال وحلفائه الإقليميين. فالمعركة اليوم ليست عسكرية فقط، بل هي حرب نفسية وإعلامية تحاول إقناع الفلسطيني بأن “الاستسلام أرحم من الاستمرار”.

مخاطر المقترح على الواقع الفلسطيني

قبول أو حتى مجرد النقاش الجدي حول فكرة “وديعة السلاح” يحمل جملة من المخاطر:

تقويض الردع العسكري: بمجرد إخراج السلاح من يد المقاومة، تفقد غزة وسكانها وسيلتهم الوحيدة لصد العدوان.

تثبيت واقع الاحتلال: (إسرائيل) لن تلتزم بأي وعود سياسية بعد ضمان أمنها، وستواصل سياسات التوسع والاستيطان.

إعادة إنتاج نموذج أوسلو: أي تسوية قائمة على تجريد المقاومة من أدواتها ستعيد سيناريو السلطة الفلسطينية التي تحولت إلى جهاز وظيفي يخدم الاحتلال أكثر مما يخدم شعبها.

تغذية الانقسام الداخلي: المقترح يخلق حالة صدام داخل الساحة الفلسطينية بين من يتمسكون بخيار المقاومة ومن ينجذبون إلى سراب “الاستقرار الاقتصادي”.

فضلا عن ذلك يأتي هذا الطرح في توقيت حساس:

مع تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة وارتفاع أعداد الشهداء جراء المجاعة والقصف.

وسط ضغط دولي متزايد على دولة الاحتلال لوقف الحرب، وهو ما يدفع الأخيرة للبحث عن مخارج تحفظ ماء وجهها.

في ظل محاولة بعض الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام المصري، تقديم نفسها كـ”منقذ” بينما هي في الحقيقة شريك في التواطؤ. إذ أن التوقيت إذن ليس بريئًا، بل يعكس مخططًا متكاملًا لتصفية المقاومة عبر أدوات إقليمية وإعلامية.

وإن وصف هذا المقترح بأنه “صفاقة” ليس تجنيًا. فالحديث عن وديعة سلاح المقاومة في وقت تُقصف فيه المستشفيات وتُحاصر فيه ملايين الأرواح، يكشف عن انعدام الحس الإنساني والسياسي معًا. وهو في الوقت ذاته انحطاط استراتيجي، إذ يراد للفلسطيني أن يسلّم آخر ما يملك من قوة، مقابل وعود هشة لن تُنفذ.

ويجمع مراقبون على أن مقترح “وديعة السلاح” ليس مبادرة للحل بل فخ استراتيجي. هو انعكاس لنهج النظام المصري الذي تحول من دور الوسيط إلى دور المتواطئ، وفضاء مثالي للجيوش الإلكترونية كي تواصل حملاتها ضد المقاومة. والقبول به يعني إعدام ما تبقى من قدرة الفلسطيني على الصمود، وإعطاء الاحتلال هدية مجانية بعد حرب إبادة لم تحقق أهدافها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى