
مع كل تقدم في جهود الوساطة أو الحديث عن اتفاق تهدئة في قطاع غزة، تنشط شبكة رقمية واسعة تُعرف إعلاميًا بـ”شبكة أفيخاي”، في محاولة لتوجيه الرأي العام نحو روايات مفبركة تركز على اتهام المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس، بالسعي للحصول على “ضمانات شخصية” لحماية قياداتها من الملاحقة في أي اتفاق سياسي مرتقب.
وهذه الادعاءات تتكرر بوتيرة متزامنة عبر عشرات الصفحات والحسابات، في نمط يكشف عن وجود تنسيق مركزي مدروس خلف هذه الحملات، وهي أدوات موجهة ضمن حرب نفسية رقمية تستهدف تفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة، وبث الشكوك، وزرع الانقسام بين المجتمع وقيادته.
شبكة أفيخاي بنية منظمة وليست مجرد صفحات
وتشير المعلومات المتقاطعة التي رصدها مختصون أمنيون وإعلاميون، إلى أن “شبكة أفيخاي” ليست مجموعة حسابات فردية، بل بنية دعائية مُمولة تُدار من خارج فلسطين، ويشرف عليها طاقم مشترك من وحدات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية، أبرزها وحدة 8200 السيبرانية، إلى جانب وحدات “العلاقات العامة” في جيش الاحتلال، وبدعم من جهات عربية على تنسيق أمني مباشر مع إسرائيل.
ويجري ضمن هذه الشبكة استغلال صفحات عامة موجودة بالفعل، أو إنشاء صفحات جديدة بأسماء وهمية “عربية أو محايدة”، وتقديم محتوى موجه باللغة العربية، لخلق بيئة رقمية مشوّشة تستدرج المتابع إلى تبنّي سرديات مناهضة للمقاومة.
أهداف متداخلة
وتعمل شبكة “أفيخاي” على تنفيذ مجموعة من الأهداف المترابطة، من أبرزها:
التشكيك في قيادات المقاومة ومؤسساتها وربطها باتهامات الفساد والصفقات المشبوهة.
زرع الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني، واستهداف ثقة الجماهير في الخطاب الوطني.
تشتيت الموقف العربي المتضامن مع غزة، عبر تشويه المؤثرين وتخويفهم من التفاعل.
التمهيد لتطبيع الرواية الإسرائيلية داخل الفضاء الرقمي العربي، بطرق ناعمة وغير مباشرة.
وتتبع الشبكة أساليب نفسية متطورة، مثل إعادة تدوير الشائعات، استخدام لغة محايدة ظاهريًا، واستهداف الفئات الشابة عبر محتوى موجه، بالإضافة إلى جمع بيانات وتعقب النشطاء من خلال روابط مشبوهة وتعليقات تفاعلية.
امتداد للحرب.. بأسلوب إعلامي وأمني مشترك
ويرى مختصون أن شبكة “أفيخاي” تمثل امتدادًا للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ولكن بصيغة رقمية تستهدف الوعي الجمعي بدل البنية التحتية. فبينما تقصف الطائرات المستشفيات والمنازل، تتحرك هذه الشبكات لضرب المعنويات وخلخلة المواقف، ما يجعلها أحد أخطر أدوات الاحتلال في المعركة الشاملة ضد الشعب الفلسطيني.
ويبرز نشاط الشبكة بشكل خاص في لحظات التهدئة أو الانتقال السياسي، حيث يتم تكثيف الرسائل التي تصور المقاومة وكأنها تسعى لـ”ضمانات خاصة”، بعيدًا عن آلام الشعب، وهو خطاب يتقاطع مع الدعاية الرسمية لجيش الاحتلال، ويهدف إلى إحداث فجوة داخلية في الوعي الجماعي.
وفي ضوء التوسع المتزايد لنشاط هذه الشبكات، يشير مختصون في الشأن الإعلامي والأمني إلى أن رصد مصادر هذه الحسابات وتوثيق ارتباطاتها يُسهم في الحد من تأثيرها داخل الفضاء الرقمي.
كما تؤكد تحليلات ميدانية أن رفع مستوى الوعي بمخاطر المحتوى الموجه، وتحديد أدواته وأساليبه، يشكّل خطوة أساسية في تقليص قدرة هذه الحملات على النفاذ إلى الرأي العام.
ويأتي هذا التحذير في سياق أوسع من المواجهة التي تخوضها المؤسسات الإعلامية والمجتمعية الفلسطينية، بالتوازي مع التصعيد الميداني، في ظل استخدام الاحتلال لأدوات دعائية رقمية تسعى إلى التأثير على الوعي الجمعي بطرق غير تقليدية.