مراسيم عباس: التفرد بالسلطة على حساب الديمقراطية واستمرار الانقسام

أثار مرسوم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الأخير بتعيين حسين الشيخ في منصب الرئيس المؤقت للسلطة جدلاً واسعًا بعد أن اعتبره كثيرون خطوة ارتجالية تخدم مصالح شخصية ضيقة على حساب الشرعية الوطنية والمصلحة العامة على حساب الديمقراطية واستمرار الانقسام.
فالمرسوم لم يأتِ في سياق قانوني أو توافق وطني، بل يعكس استمرار سياسة التفرد التي مارستها قيادة السلطة منذ سنوات، ويكرس هيمنة دائرة ولاءات ضيقة على مفاصل المؤسسات العليا في فلسطين.
وقد ألغى المرسوم المذكور بشكل مفاجئ المرسوم السابق الذي كان يقضي بتعيين رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح رئيسًا مؤقتًا للسلطة، وهو الخيار المنطقي في ظل غياب المجلس التشريعي الفلسطيني وعدم وجود انتخابات عامة.
ويعكس هذا الإلغاء العشوائي، وفق محللين، ضعف التخطيط ويطرح سؤالاً جوهريًا: هل المراسيم تصدر لإدارة الدولة أم لإبقاء النفوذ محصورًا في يد الرئيس وأقرب حلفائه؟.
محمود عباس ويكيبيديا
جاءت هذه الخطوة في وقت حساس، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية الإفراج عن الأسير مروان البرغوثي، صاحب الشعبية الكبيرة بين الفلسطينيين.
ويخشى المراقبون أن يكون الهدف من المرسوم هو احتواء أي تهديد سياسي محتمل من البرغوثي أو أي شخصية أخرى قد تنافس السلطة الحالية في انتخابات عامة، وهو ما يشير إلى أن المرسوم ليس إجراءً إداريًا بحتًا، بل أداة سياسية لتثبيت الولاءات وحماية النفوذ الشخصي للرئيس عباس.
وأكد مدير مركز مسارات للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري، أن إصدار مراسيم دون استشارة المؤسسات القيادية، أو حتى محاولة التوافق الوطني، يعمّق الانقسام الداخلي ويضعف فرص التجديد الديمقراطي.
ويشير المصري إلى أن المرسوم، رغم وصفه بالمؤقت، يكرس التفرد بالقرار ويحول المؤسسات الفلسطينية إلى أدوات لإعادة توزيع الولاءات وليس لتحقيق أهداف وطنية أو مصالح المواطنين.
في السياق ذاته يبرز المحلل السياسي خليل شاهين أن هذه الخطوة تمثل توريثًا مؤسسيًا للصلاحيات المركبة التي تجمع بين رئاسة السلطة، ومنظمة التحرير، وحركة فتح، مع إقصاء القوى غير الموالية لعباس.
وينبه شاهين إلى أن الخطوة تمنح عباس القدرة على إعادة ترتيب البيت الداخلي وتقليل الضغوط الخارجية، بينما يبقى المواطن الفلسطيني خارج معادلة القرار، محاصرًا بسلطة غير شرعية لا تمثل إرادته ولا تسمح بمساءلة فعلية.
ويشير إلى أن المراد من هذا الإجراء هو ضمان استمرارية نفوذ القيادة الحالية على المؤسسات العليا، حتى بعد غياب عباس، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى توافق هذا الإجراء مع القانون الأساسي الفلسطيني وشرعية استخدام المراسيم بهذا الشكل. فالقانون أصبح أداة لتثبيت النفوذ والسيطرة السياسية، وليس وسيلة لإدارة الدولة وفق مبادئ العدالة والشفافية.
من هو حسين الشيخ؟
تكشف الخطوة كذلك عن ضعف مؤسسات السلطة الفلسطينية وتآكلها، حيث أصبحت المراسيم الفردية بديلاً عن البرلمان والمجلس الوطني، وهما الجهتان المسؤولتان عن التوازن السياسي وصياغة القرارات بشكل ديمقراطي.
ويؤكد المراقبون أن استمرار هذا النهج يعمّق الانقسام الداخلي ويزيد من هشاشة النظام السياسي الفلسطيني، ويضعف فرص إجراء انتخابات حقيقية تعكس إرادة الشعب.
وفي ظل هذه التطورات، يرى المحللون أن مرسوم عباس لا يمثل إصلاحًا سياسيًا، بل استمرارًا لسياسة تفرد السلطة، واستثمارًا لصلاحيات مؤسساتية لصالح دائرة ضيقة من الولاءات السياسية.
إذ أن هذا النهج لا يحمي الدولة، بل يكرس الانقسام، ويحوّل السلطة الفلسطينية إلى أداة لاستمرار الهيمنة، بعيدًا عن أي مساءلة أو شفافية.
وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن أي إصلاح سياسي أو تجديد للنظام الفلسطيني سيبقى معلقًا، وسيظل المواطن الفلسطيني رهينًا لقرارات فردية تصدر في الغرف المغلقة، بعيدًا عن المشاركة الشعبية الفعلية.
والمخاطر هنا لا تقتصر على الشرعية الداخلية، بل تمتد إلى المصداقية الدولية للسلطة الفلسطينية، حيث يصبح السؤال عن شرعية اتخاذ القرارات الكبرى دون توافق أو انتخابات أحد أهم التحديات التي تواجه القيادة الحالية.
في المحصلة، يوضح مرسوم عباس الأخير أن السلطة الفلسطينية ما زالت في حالة تفرد مركزي، وأن أي إصلاح أو تجديد سياسي لن يكون ممكنًا إلا عبر إعادة هيكلة شاملة للنظام السياسي، تشمل استعادة دور المؤسسات الوطنية، وضمان التوافق الوطني، ومشاركة المجتمع المدني، وإعادة الديمقراطية إلى صلب صنع القرار، بعيدًا عن التفرد والمراوغات السياسية.





