معالجات اخبارية

فضيحة احتفاء قادة فتح والسلطة بزواج قاصرة في رام الله

"قصة حب" تنكشف وسط مجزرة كفر مالك

بينما كانت قرية كفر مالك شمال شرق رام الله تغرق في الدماء مساء الأربعاء، برصاص جنود الاحتلال وبطش مستوطنيه، كان قادة الصف الأول في السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” يحتفلون في قاعة فاخرة بحفل زفاف مثير للجدل جمع مدرب كاراتيه معروف بمتدربته القاصرة، في مشهدٍ أثار موجة من الغضب والذهول بين الفلسطينيين.

الزفاف الذي أقيم في وقت متزامن مع المجزرة، جمع أحمد نضال أبو دخان، نجل المسؤول الأمني البارز نضال أبو دخان، بفتاة تُدعى ليليان إياد عميص، لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها، فيما وُصفت العلاقة بين الطرفين بأنها “قصة حب بدأت في قاعة التدريب”، حيث يشغل العريس منصب مدربها في الكاراتيه.

حضور سياسي “ثقيل” في حفل زفاف غير عادي

الفيديوهات والصور التي جرى تداولها على نطاق واسع أظهرت كبار مسؤولي السلطة في مقدمة الحاضرين، وبينهم رئيس الوزراء السابق محمد اشتية، ونائب رئيس حركة فتح محمود العالول، ورئيس المجلس الوطني روحي فتوح، رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، القيادي الأمني توفيق الطيراوي، مستشار محمود عباس للشؤون الدينية محمود الهباش، ومحافظة رام الله والبيرة ليلى غنام.

وفي كلمة ألقاها نيابة عن الرئيس محمود عباس، قال اشتية: “جئنا اليوم لنطلب يد ابنتكم ليليان باسم السيد الرئيس لنبارك زفاف ابننا أحمد نضال أبو دخان”. الكلمات قوبلت بتصفيق حار من الحاضرين الذين بدا أنهم لم يعلموا، أو تجاهلوا عمدًا، ما كان يحدث في كفر مالك في اللحظة ذاتها.

زفاف قاصرة… في حضرة قادة السلطة

بعيدًا عن التوقيت السياسي الفاضح، فقد فجّر الزفاف في حد ذاته جدلًا واسعًا بسبب ما اعتبره ناشطون زواج قاصرة من مدربها، ما يطرح تساؤلات حول شرعية العلاقة وسياقها الأخلاقي والتربوي، لاسيما أن العريس يتمتع بمكانة سلطوية مستمدة من والده أحد أذرع المؤسسة الأمنية الفلسطينية.

وصف البعض الحكاية بـ”المنحرفة المغلّفة بلغة الحب”، متسائلين: كيف لمعلم أن يتزوّج متدربته القاصر؟ وأين حدود السلطة الأبوية والتعليمية؟ وهل تسمح القوانين الفلسطينية بزواج فتاة دون الـ18 في ظل ما يفترض أنه توجه رسمي لمكافحة زواج القاصرات؟

وفيما حاولت بعض الأصوات تبرير الحدث بأنه “قصة حب نشأت بين الطرفين”، اعتبره كثيرون استغلالاً واضحًا للسلطة والعلاقة التربوية، خصوصًا في سياق مليء بحالات زواج غير متكافئة تُغلف بعبارات العاطفة للتغطية على الإكراهات الاجتماعية والضغوط الأسرية.

مجزرة كفر مالك… وصمت السلطة

وفي الوقت ذاته الذي كانت فيه فرقة الموسيقى تعزف داخل القاعة، كانت قرية كفر مالك تواجه واحدًا من أكثر الهجمات دموية منذ بداية العام.

إذ أقدمت مجموعات من المستوطنين، تحت حماية جيش الاحتلال، على اقتحام القرية، وإضرام النار في مركبات السكان، والاعتداء على الأهالي، ما أدى إلى استشهاد ثلاثة شبان، وإصابة سبعة آخرين، أحدهم في حالة حرجة.

وأطلق جنود الاحتلال الرصاص الحي بكثافة على كل من حاول الدفاع عن البلدة، بينما لم يُسجل أي تدخل من الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي كانت قيادتها منشغلة بالاحتفال، ولا من مسؤولي “فتح” الذين لطالما برروا التنسيق الأمني مع إسرائيل بأنه “لحماية الشعب”.

انفجار شعبي على وسائل التواصل

ما إن انتشرت تفاصيل الزفاف وتوقيت المجزرة حتى اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي عاصفة من الغضب الشعبي. حيث عبّر الآلاف من الفلسطينيين عن صدمتهم من الاستهتار العلني بمعاناة الشعب، معتبرين أن الاحتفال على وقع المجازر يختزل الفجوة الكارثية بين السلطة والناس.

وغرد أحد النشطاء قائلًا: “بينما كانت الأمهات تنتحب على أبنائها في كفر مالك، كان قادة السلطة يتراقصون في قاعة فاخرة احتفاء بزواج مدرب من قاصر”، فيما كتب آخر: “لو أن هذا الزفاف أقيم في زمن النكبة، لما كان المشهد أكثر سقوطًا”.

والفضيحة المزدوجة، أخلاقيًا وسياسيًا، تعيد إلى الواجهة تساؤلات قديمة حول ازدواجية خطاب السلطة، وادعائها الوقوف في صف الشعب في وجه الاحتلال، بينما تغرق في امتيازاتها الخاصة، وتمارس فوقية اجتماعية تتنافى مع كل ما تدّعيه من تمثيل شعبي.

ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن تقف السلطة إلى جانب أهلها في كفر مالك، وأن تحمي القاصرات من الزواج المبكر، نراها في الصف الأول في حفل زفاف يوصف بـ”المستفز” من حيث الظروف والرمزية.

ويؤكد مراقبون أن ما حدث في رام الله ليلة أمس ليس مجرد زفاف مثير للجدل، بل انعكاس حاد لحالة الانفصال بين السلطة وشعبها، بين الطبقات النافذة وأوجاع الشارع، بين لغة الحب التي تستغل الضعف، ومأساة الفلسطينيين التي لا تلقى أي اعتبار حتى من أصحاب القرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى