هل تضع فتح مصالحها الضيقة مجددًا أمام اختبار غزة؟

أنهت الفصائل الفلسطينية في القاهرة مساء الجمعة، سلسلة اجتماعات مكثفة ناقشت خلالها الخطة المصرية الرامية إلى بلورة موقف وطني موحّد بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة وذلك استعدادًا للمرحلة الثانية من مفاوضات وقف حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
ورغم جهود القاهرة لتقريب وجهات النظر بين كافة الأطياف الفلسطينية، إلا أن غياب حركة “فتح” عن اللقاء الوطني الموسع شكّل العقبة الأبرز أمام تحقيق توافق شامل، ما يطرح تساؤلات جدية حول الأولويات والمصالح الضيقة التي قد تضعها الحركة أمام اختبار حقيقي لمستقبل غزة.
وفقا لمصادر فصائلية، فقد قدمت مصر ورقة عمل تحتوي على بنود متعددة تهدف إلى صياغة رؤية فلسطينية جامعة تمهّد لمرحلة تفاوضية جديدة مع الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
ولقيت هذه المقترحات ترحيبًا واسعًا من الفصائل، إلا أن التحفظات كانت واضحة على غياب “فتح”، التي اكتفت بعقد لقاءات ثنائية، أحدها مع حركة حماس، وآخر بين ممثل تيار الإصلاح الديمقراطي سمير المشهراوي وحسين الشيخ من قيادة السلطة الفلسطينية ومركزية الحركة.
حركة فتح ويكيبيديا
يعود امتناع “فتح” عن المشاركة في اللقاء الوطني الموسع إلى تحفظات داخلية لم تُحسم بعد، بحسب المصادر، بانتظار العودة إلى الرئيس محمود عباس.
وتشير التحفظات إلى شعور الحركة بغياب دور فاعل للسلطة في المرحلة الثانية، خصوصًا فيما يتعلق بإدارة قطاع غزة، إذ تقتصر مرجعية لجنة الإسناد المجتمعي للحكومة في رام الله على توفير غطاء سياسي فقط.
لكن الفصائل ترى موقف “فتح” غير مبرّر، وتعتبر أن غيابها يضعف وحدة الموقف الفلسطيني في لحظة حساسة، مؤكدين أن الهروب من المشهد ليس حلاً، والمطلوب مواجهة مشتركة ومسؤولة على الأرض.
كما أعربت الفصائل عن قلقها من أن تحفظ “فتح” على المشاركة ضمن وفد وطني واسع يضم حماس، قد يعود إلى مخاوف الحركة من التأثير على مكانتها في العلاقة مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي والجانب الأميركي خلال المرحلة الثانية من التسوية، وهو ما يضع مصالحها الضيقة فوق المصلحة الوطنية العليا.
وأكدت المصادر أن موعد الحوار الوطني الفلسطيني المقبل لم يُحدد بعد، نتيجة وجود قضايا بحاجة إلى مزيد من النقاش بين الفصائل، وأن الجانب المصري يسعى لبذل جهود مكثفة خلال الأيام المقبلة لتقريب وجهات النظر قبل تحديد موعد جديد للقاء الشامل.
وأضافت المصادر أن المسؤولين المصريين حذّروا من أن استمرار غياب “فتح” عن اللقاءات قد يؤثر على وحدة الموقف الفلسطيني، مؤكدين أن المرحلة الثانية من اتفاق غزة ستنطلق عاجلًا أم آجلًا، سواء تم التوافق الفلسطيني أم لم يتم.
ويشير ذلك إلى أن القاهرة تولي أهمية قصوى لتوحيد الموقف الفلسطيني لضمان إدارة منسقة للمرحلة الثانية بعد التهدئة، إذ يعتبر نجاح هذه الخطوات شرطًا أساسياً لتثبيت الهدوء وبدء عملية إعادة الإعمار.
وتشمل المقترحات المصرية الدفع نحو تشكيل لجنة تكنوقراط متفق عليها لإدارة شؤون قطاع غزة مؤقتًا، وتنظيم مشاركة فلسطينية رسمية في تشغيل معبر رفح، بالإضافة إلى فتح قنوات تفاهم حول ملف السلاح الفلسطيني وسبل ضبطه ضمن آليات الأمن المحلية.
ومع ذلك، يطرح غياب “فتح” أسئلة جوهرية حول التزاماتها الوطنية. ففي الوقت الذي تبدو فيه الفصائل الأخرى منفتحة على الحوار والتوافق، تضع الحركة مصالحها الضيقة، ومخاوفها من فقدان النفوذ السياسي والعلاقة مع القوى الدولية، فوق مصالح الشعب الفلسطيني في غزة.
وقد يؤدي هذا الموقف إلى تآكل الثقة الداخلية ويعقّد جهود التهدئة وإعادة الإعمار، خصوصًا إذا استمر عزوف الحركة عن المشاركة في اللقاءات الشاملة.
غزة بعد حرب الإبادة
يجمع المراقبون على أن اختبار غزة لم يقتصر على مواجهة الاحتلال، بل أصبح أيضًا اختبارًا داخليًا لوحدة الفلسطينيين وقدرتهم على تجاوز الحسابات الحزبية والمصالح الضيقة في مرحلة حرجة من الصراع.
فغياب الحركة عن النقاش الوطني الموسع يفتح الباب أمام تفاقم الانقسامات، ويزيد من صعوبة صياغة رؤية فلسطينية موحدة تستطيع مواجهة التحديات المقبلة على الأرض والدبلوماسية الدولية.
في نهاية المطاف، يظل السؤال المعلق: هل ستتمكن حركة “فتح” من تجاوز مصالحها الضيقة والانخراط في مشروع وطني جامع يضع غزة وشعبها في قلب الأولويات؟ أم أن استمرار الغياب عن اللقاءات الوطنية الموسعة سيترك آثارًا سلبية على وحدة الصف الفلسطيني ويؤثر على قدرة الأطراف على إدارة المرحلة الثانية من اتفاق التهدئة بشكل فعال؟.
وبحسب مراقبين فإن إجابة هذا السؤال ستكون مؤشرًا حاسمًا على قدرة الفلسطينيين على تحويل التهدئة الحالية إلى خطوة ملموسة نحو استقرار دائم وإعادة إعمار غزة، أو استمرار حالة الانقسام والشلل السياسي الداخلي.
ويؤكد المراقبون أن المرحلة القادمة تتطلب التزامًا حقيقيًا من كافة الأطياف الفلسطينية، بما فيها حركة فتح، للمشاركة الفاعلة في الحوار الوطني الشامل، لتقديم موقف موحد قادر على حماية مصالح غزة والسير نحو التهدئة وإعادة الإعمار، بعيدًا عن الحسابات الفردية والمصالح الضيقة التي قد تعيد التاريخ نفسه من الانقسامات والفراغ السياسي.





