كيف همّشت واشنطن حكومة نتنياهو في مفاوضات الإفراج عن ألكسندر؟

في تحول لافت، تمكنت واشنطن من انتزاع مبادرة دبلوماسية جديدة في ملف غزة، عبر التوصل إلى اتفاق مع حركة حماس لإطلاق سراح الأسير الأميركي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر، في خطوة جرى إعدادها بعناية لتتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط.
وبينما تُسوق “إسرائيل” هذا التطور كـ”لفتة إنسانية” من دون مقابل، يشير موقع أكسيوس الأمريكي، إلى أن الولايات المتحدة تعمدت تهميش حكومة بنيامين نتنياهو، عبر مفاوضةً حماس بشكل منفصل الأمر الذي يضع تل أبيب في زاوية ضيقة بين تصعيد عسكري تخشى عواقبه وضغوط حليفها الأكبر.
واشنطن تقود وحدها.. و”إسرائيل” تراقب
لم تكن “إسرائيل” شريكًا في الصفقة التي تم التوصل إليها بوساطة مباشرة من قطر ومصر، بتنسيق حثيث من مبعوثي ترامب، ستيف ويتكوف وآدم بوهلر. بل إن تل أبيب علمت بتفاصيل الصفقة عبر أجهزتها الاستخباراتية، ما يعكس حجم التهميش الذي تعرضت له في المفاوضات.
هذا النهج الأميركي المنفرد يعكس قناعة واشنطن بأن استمرار الحرب يخدم أجندة نتنياهو السياسية وليس المصالح الإقليمية أو الإنسانية.
رسائل ترامب واضحة: “إنهاء الحرب مقابل إنهاء معاناة غزة وتحرير الأسرى”، وهو موقف يتقاطع مع مطالب حماس، التي وضعت أولوية إنهاء العدوان ورفع الحصار كشرط لأي صفقة شاملة.
مقابل ذلك، لا تزال حكومة نتنياهو تناور لتفادي وقف دائم لإطلاق النار، متمسكةً بسياسة “إضعاف حماس عسكريًا” ولو على حساب كارثة إنسانية في غزة.
نتنياهو في الزاوية
داخليًا، يواجه نتنياهو ضغوطًا متزايدة من عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين يتهمونه بتقديم أولويات بقائه السياسي على حساب إنقاذ مواطنيه.
وفي الوقت ذاته، يدرك أن أي اتفاق شامل مع حماس سيُنظر إليه كتنازل استراتيجي وانتصار للحركة، قد يعجل بنهاية تحالفه الحكومي الهش.
لكن ضغوط ترامب مختلفة. فالإدارة الأميركية الحالية ترى أن استمرار الحرب يهدد استقرار المنطقة ويعيق خطط التطبيع الأوسع مع الدول العربية.
لذلك، يستخدم ترامب زيارته كأداة ضغط مباشرة، ملوحًا بخيارات اقتصادية وعسكرية قد تكلف نتنياهو الكثير إذا أصر على المماطلة.
وتصريحات نتنياهو الأخيرة أمام لجنة الكنيست حول “أيام حاسمة” تعكس هذا التوتر: فهو يدرك أن هامش المناورة يضيق، وأن واشنطن لن تتسامح مع استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، خاصة مع دخول ملف الانتخابات الأميركية منعطفًا حساسًا.
حماس: الأولوية لإنهاء العدوان ورفع الحصار
من جهتها، تتعامل حماس ببراغماتية واضحة. فقرار الإفراج عن ألكسندر دون مقابل مباشر يأتي في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى إنهاء الحرب، واستعادة الحياة إلى غزة المنكوبة.
والحركة تعي أن المشهد الدولي بات أكثر حساسية تجاه الكارثة الإنسانية في القطاع، وأن إبداء “حسن النية” تجاه وسطاء مؤثرين كقطر ومصر، وبالطبع واشنطن، قد يعزز موقعها التفاوضي.
كما أن حماس تريد أن ترسل رسالة مزدوجة: الأولى، أنها قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية بمعزل عن الضغوط الميدانية. والثانية، أن إنهاء الحرب بات ضرورة أخلاقية وإنسانية، تتقدم على الحسابات السياسية الضيقة.
لذا، أكدت الحركة في بيانها استعدادها للدخول في مفاوضات مكثفة من أجل “اتفاق نهائي” يشمل إنهاء الحرب وتبادل الأسرى وحل إدارة غزة عبر شخصيات مهنية مستقلة.
توازنات جديدة: ما بعد ألكسندر
رغم أن الإفراج عن ألكسندر قد يبدو خطوة رمزية، إلا أنه يحمل أبعادًا استراتيجية مهمة. فهو يؤسس لسابقة تفاوضية جرت فيها واشنطن التفاهم مع حماس دون إشراك “إسرائيل” في المراحل الأولى، ما يفتح الباب أمام وساطات مستقبلية تتجاوز القنوات التقليدية.
كما أن هذه الخطوة قد تُسرّع من مسار اتفاق أوسع يشمل بقية الأسرى، في ظل إدراك واشنطن والوسطاء الإقليميين أن استمرار الحرب بات مكلفًا أخلاقيًا وسياسيًا.
في المقابل، تجد حكومة نتنياهو نفسها أمام معادلة صعبة: فرفض الاتفاقات الجزئية قد يُصورها كمعرقل للجهود الإنسانية، بينما القبول بوقف إطلاق نار شامل قد يُفهم كإقرار بالهزيمة.
حسابات ترامب: ورقة ضغط إقليمية
بالنسبة لترامب، يمثل ملف غزة فرصة لتحقيق نصر دبلوماسي سريع يعزز صورته وسيُقدّم للرأي العام كدليل على “حزم قيادته” و”فعالية ضغوطه” على الحلفاء والخصوم على حد سواء.
كما أن إحياء المسار السياسي في غزة يمنح ترامب ورقة ضغط إضافية في مفاوضاته مع الدول العربية وإيران، حيث يسعى إلى إعادة ضبط التوازنات الإقليمية بما يخدم مصالح واشنطن الاستراتيجية.
“إسرائيل” لم تعد الطرف المقرر
الرسالة الأهم من عملية الإفراج عن ألكسندر هي أن الحكومة الإسرائيلية لم تعد اللاعب الوحيد القادر على رسم مآلات الحرب في غزة.
واشنطن، مدفوعةً بحسابات سياسية وإنسانية، قررت استخدام ثقلها لتعديل مسار الأحداث، حتى وإن تطلب الأمر تجاوز حكومة نتنياهو.
في المقابل، تبدو حماس مستعدة لالتقاط اللحظة، مستفيدةً من زخم التعاطف الدولي مع غزة، ومن براعة دبلوماسية فرضتها عليها سنوات الحصار والمعارك.
أما نتنياهو، فسيجد نفسه قريبًا أمام خيارين لا ثالث لهما: الرضوخ لاتفاق شامل ينهي الحرب، أو المضي في مغامرة عسكرية قد تكلفه منصبه وتدفع بإسرائيل إلى عزلة سياسية غير مسبوقة.