أبواق حركة فتح.. ودّت الزانية لو أن النساء كلهن زواني

لم يعد الصراع الداخلي الفلسطيني مجرد خلاف سياسي بين فصائل رئيسية، بل تحوّل إلى معركة خطاب وإعلام، تتخذ من شبكات التواصل الاجتماعي ساحةً مركزية لها، وهو ما يبرز في ممارسة أبواق حركة فتح سياسة التشويه والتحريض على المقاومة، في محاولة للتغطية على فشل الحركة التاريخي وسقوط مشروعها السياسي.
ويؤكد مراقبون أن حركة فتح بدل أن تعترف بمسؤوليتها عن التبعية والانحدار الذي وصل إليه المشروع الوطني الفلسطيني بسبب نهجها القائم على التسوية والتنسيق الأمني، تلجأ إلى إلقاء التهم على غيرها، متمنية أن يغرق الجميع في ذات المستنقع.
إذ في خضم حرب الإبادة المستمرة على غزة، برزت ظاهرة لافتة، حيث عمدت قيادات من حركة فتح، ومعهم ناشطون محسوبون عليها، إلى تكثيف حملات التشويه الممنهج ضد حركة حماس وبقية فصائل المقاومة، في محاولة لإعادة صياغة وعي الشارع الفلسطيني بما يخدم تبرير عجز فتح وانهيار مشروعها السياسي.
ويعكس هذا السلوك حالة الانحدار التي وصلت إليها فتح، بعدما تحولت من حركة تحرر وطني رفعت شعار الكفاح المسلح إلى سلطة هشة خاضعة لشروط الاحتلال، تعتمد على التنسيق الأمني بدل البندقية، وعلى “الدبلوماسية العقيمة” بدل الفعل المقاوم.
حركة فتح ويكيبيديا
لم يعد خافيًا أن قادة فتح وناشطيها يملؤون الفضاء الافتراضي بخطاب تحريضي ضد المقاومة، حيث تُتهم حماس بالتسبب في الكوارث، وبتوريط غزة في الحروب، وبالمغامرة غير المحسوبة.
ويُقدَّم هذا الخطاب على أنه “حرص” على الشعب الفلسطيني، بينما في الحقيقة هو محاولة لتقويض أي نموذج مقاوم يفضح عجز السلطة وفسادها.
وتشير الممارسات اليومية على المنصات الرقمية إلى أن حسابات محسوبة على كوادر فتح تعيد تكرار الرواية الإسرائيلية بحذافيرها: فالمقاوم “مخرب”، والسلاح “عبء”، والاشتباك مع الاحتلال “انتحار”.
ويؤكد مراقبون أن هذه اللغة، وإن غُلّفت بلبوس النقد السياسي، لا تخدم سوى الاحتلال، الذي يسعى إلى نزع الشرعية عن أي فعل مقاوم، وتحويل قضية التحرر إلى مسألة “خدماتية” تحت سقف الإدارة المدنية.
الهروب من الواقع المخزي
فتح التي تخلت عن السلاح منذ عقود، ولم تعد تملك رؤية تحررية حقيقية، تجد نفسها في مأزق تاريخي.
فهي لم تنجح في إقامة دولة، ولم تُنهِ الاحتلال، ولم تُحقق وعود أوسلو، بل تحولت إلى جهاز إداري محدود الصلاحيات، مرتبط بالتمويل الخارجي وبمزاج الاحتلال.
أمام هذا الواقع، لم يبق أمام قيادات الحركة سوى الهروب إلى الأمام: الهجوم على المقاومة، لتشتيت الأنظار عن سقوطهم المدوي.
المعادلة هنا واضحة: بدلاً من مواجهة الحقيقة والاعتراف بانهيار المشروع السياسي، يُلقى باللوم على حماس والفصائل الأخرى.
وهكذا، تتحول منصات التواصل إلى أدوات تبرير وعلاقات عامة، تروّج لخطاب يعكس المقولة الشعبية: “ودّت الزانية لو أن النساء كلهن زواني”؛ أي أن من غرق في التبعية والفساد، يتمنى أن يرى الآخرين غارقين مثله، حتى يخفف من حدة فضيحته.
تحريض مكشوف يخدم الاحتلال
الخطاب الفتحاوي ضد المقاومة لا يمكن فصله عن مصلحة الاحتلال المباشرة.
إذ إن ترديد الأكاذيب عن حماس، وتضخيم الخلافات الداخلية، والتشكيك بجدوى السلاح، كل ذلك يصب في مصلحة إسرائيل التي تسعى لتفكيك البنية المجتمعية الفلسطينية وإضعاف روح المقاومة.
وقد أثبتت التجارب أن كل حملة تحريض ضد المقاومة تجد صداها سريعًا في الإعلام العبري الذي يتلقفها كدليل على “انقسام الفلسطينيين”، ويستخدمها لتبرير استمرار العدوان. وهنا يتضح مدى خطورة التحول الذي أصاب فتح: من حركة مواجهة إلى أداة دعائية غير مباشرة للخصم.
انعكاسات على الشارع الفلسطيني
الفلسطيني العادي، الذي يعيش تحت القصف أو الحصار أو الاحتلال المباشر، بات أكثر وعيًا بهذه المعركة الإعلامية.
فبينما يرى بأم عينه بطولات المقاومين في غزة والضفة، يجد في المقابل خطابًا فتحاويًا يحاول تشويه تلك البطولات وتحميل أصحابها مسؤولية الدمار الذي سببه الاحتلال نفسه. هذا التناقض ولّد حالة نفور شعبية متزايدة من فتح، وزاد من فجوة الثقة بينها وبين الشارع.
الأخطر أن هذا الخطاب يُهدد النسيج الوطني، لأنه يزرع الشك والكراهية بين الفلسطينيين، بدل أن يوحدهم في مواجهة الاحتلال. وبدل أن تكون الخلافات ساحة نقاش داخلي، تتحول إلى معاول هدم يستغلها الاحتلال الإسرائيلي بمهارة لتعميق الانقسام.