السلطة الفلسطينية وغزة: الصمت يوازي التواطؤ والتخاذل تواطؤ في العدوان

يجمع المراقبون على توجيه انتقادات شديدة إلى السلطة الفلسطينية على خلفية دورها في مواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ نحو عامين، حيث الصمت يوازي التواطؤ والتخاذل تواطؤ في العدوان الشامل المستمر.
وقد أعاد الهجوم الإسرائيلي الأخير على العاصمة القطرية الدوحة الأسبوع الماضي، تسليط الضوء على التباينات الفادحة في الأداء السياسي والإعلامي بين قطر والسلطة الفلسطينية تجاه حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.
ففي الوقت الذي تبنّت فيه الدوحة خطابًا صريحًا وشجاعًا، مزج بين الموقف السياسي الإنساني والضغط الدبلوماسي المباشر على القوى الكبرى، بدت السلطة الفلسطينية وكأنها خارج السياق، عاجزة عن تمثيل شعبها أو حتى إصدار مواقف جدية تتناسب مع حجم المأساة.
الهجوم الإسرائيلي على قطر
منذ لحظة الهجوم الإسرائيلي، تحرّكت قطر بخطاب سياسي ودبلوماسي متماسك، وصاغت رواية إنسانية جديدة تضع إسرائيل في موقع المتهم على الساحة الدولية.
ولم تكتف الدوحة بإدانة القصف على أراضيها، بل ربطت بين الجريمة في قطر والجرائم اليومية في غزة، لتثبت أن الاستهداف الإسرائيلي ليس مجرد حادث عرضي، بل جزء من حرب إبادة شاملة.
ولم يقتصر الخطاب القطري على البيانات، بل تَجسّد في جولات سياسية واسعة، ورسائل عاجلة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحراك دبلوماسي نشط أربك حتى القوى الكبرى المترددة.
كما تمكّنت قطر من حشد التعاطف الدولي عبر تأكيدها على البُعد الإنساني: حماية المدنيين، احترام السيادة، ووقف المجازر. بهذا المعنى، صارت الدوحة تطرق أبواب العواصم وتحرج العواصم الغربية، مظهرة قدرتها على هزّ المنابر الدولية وإحداث صدى عالمي.
السلطة الفلسطينية: غياب أم تغييب؟
في المقابل، تبدو السلطة الفلسطينية وكأنها تعيش في عالم موازٍ. لم تُصدر سوى بيانات باهتة لا تتجاوز حدود الإنشاء السياسي، فيما انشغلت قيادتها بلقاءات بروتوكولية واجتماعات متكررة لا تُنتج شيئًا. حتى في لحظة غير مسبوقة كهجوم على عاصمة عربية حليفة للقضية الفلسطينية، غاب خطاب السلطة أو بدا متردّدًا، وكأن الدم الفلسطيني في غزة ليس جزءًا من مسؤوليتها التاريخية.
والسلطة، التي تملك أكثر من 100 سفارة وقنصلية حول العالم، وآلاف الموظفين والدبلوماسيين بميزانيات ضخمة، فشلت في تحويل هذا الانتشار إلى قوة ضغط. لا بيانات مؤثرة، ولا تحرّكات قضائية، ولا حتى حملة إعلامية دولية تقابل الزخم القطري.
وبحسب مراقبين تكشف هذه الهوّة خللًا بنيويًا في أداء السلطة، التي غرقت في العجز والشللية بدلًا من القيام بدورها الطبيعي كـ “ممثل شرعي” يفترض أنه صوت الشعب الفلسطيني.
وعليه فإن المقارنة بين الدوحة ورام الله لم تعد نظرية بل واقعية، صارخة للعيان:
قطر تحوّلت إلى صوت غزة في العالم، تفضح الاحتلال وتلاحقه سياسيًا ودبلوماسيًا، وتضع القوى الكبرى أمام مسؤولياتها.
السلطة بدت وكأنها تتعامى عن الإبادة، غارقة في انقساماتها الداخلية وحساباتها الضيقة، وعاجزة عن توظيف مواردها الهائلة في خدمة القضية.
السلطة الفلسطينية ويكيبيديا
يشي المشهد الحالي بتحوّلات أعمق في معادلة تمثيل الفلسطينيين. فبينما تُصر السلطة على التمسك بـ “شرعيتها الرسمية”، فإن غياب أدائها في اللحظات المفصلية يجعلها تخسر شرعية معنوية متزايدة.
في المقابل، باتت قطر لاعبًا مؤثرًا ليس فقط في الوساطات الإنسانية والسياسية، بل أيضًا في تشكيل صورة الحرب أمام الرأي العام العالمي.
وقد يفتح هذا التحول الباب أمام إعادة رسم معالم “القيادة الرمزية” للقضية الفلسطينية: من رام الله الراكدة إلى الدوحة المتحركة. ومع تراكم الأحداث، قد تجد السلطة نفسها في مواجهة عزلة داخلية وخارجية، إذا لم تراجع استراتيجيتها البائسة.
وبحسب المراقبين فإن ما يميز الموقف القطري هو أنه جمع بين البعد الإنساني – المطالبة بحماية المدنيين، إرسال المساعدات، التحرك الإغاثي – والبعد السياسي – الضغط على مجلس الأمن، فضح ازدواجية المعايير الغربية، وتوثيق الجرائم الإسرائيلية. هذه المقاربة المزدوجة جعلت الخطاب القطري مقنعًا ومؤثرًا، في حين أن خطاب السلطة ظل أسيرًا لعبارات عامة لا تحرك الرأي العام لتؤكد قيادة السلطة مرة أخرى أنها أسيرة العجز والتكلّس.
بل الأدهى من ذلك أن السلطة تمسكت ولا تزال بالتنسيق الأمني ومحاربة كافة أشكال مقاومة الاحتلال حتى في ذروة حرب الإبادة الإسرائيلية ومخططات ضم الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها.