معالجات اخبارية

عبد الحميد عبد العاطي.. حين يتحول التحريض إلى وظيفة محمية

في لحظة تاريخية يُفترض فيها أن تتوحّد الجبهة الداخلية الفلسطينية في مواجهة الإبادة والحصار، برزت أدوار موازية تعمل في الاتجاه المعاكس تمامًا.

أدوار لا تقوم على الصدفة، بل على رعاية سياسية مقصودة، تقف خلفها شخصيات نافذة داخل السلطة الفلسطينية، وفي مقدمة هذا المشهد يبرز اسم أحمد مجدلاني، بوصفه أحد مهندسي الغطاء السياسي الذي مكّن عبد الحميد عبد العاطي من التحول إلى أداة إعلامية فاعلة في حملة التحريض على غزة والمقاومة.

ولم يكن عبد الحميد عبد العاطي صاحب موقف ثابت أو مسار مهني واضح. منذ بداياته، قدّم نفسه كشخصية إعلامية متقلبة الخطاب، تنتقل بين المنصات والمواقف وفق ما يخدم مصالحها الشخصية، وهذا النموذج كان مثاليًا لمن يبحث عن أدوات جاهزة، قابلة للتوجيه، وتفتقر إلى أي التزام سياسي أو أخلاقي حقيقي.

عبد الحميد عبد العاطي

وفي أي سياق وطني طبيعي، كان كافيًا أن تُعاد منشورات عبد الحميد من قبل الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، أو أن يتماهى خطابه علنًا مع الرواية الإسرائيلية، ليُعزل فورًا من أي مساحة عامة، لكن ما جرى كان العكس تمامًا.

عبد الحميد عبد العاطي لم يُحاسَب، ولم يُعزل، بل جرى احتواؤه وحمايته، وهذه الحماية لم تكن إعلامية فقط، بل سياسية وأمنية، وهي لا تُفهم إلا في ظل شبكة النفوذ التي يمثلها أحمد مجدلاني، المعروف بدوره في تمرير السياسات الأكثر إثارة للغضب الشعبي، من تجويع الفقراء إلى التطبيع الناعم، دون أن تطاله أي مساءلة.

ذباب السلطة

ومع تصاعد العدوان على غزة، احتاجت السلطة إلى أصوات “فلسطينية” تهاجم المقاومة من داخل المشهد، لتؤدي وظيفة مزدوجة تشويش الوعي العام، وضرب الثقة بالمقاومة وشرعنة استهدافها سياسيًا.

وأدّى عبد الحميد عبد العاطي هذه الوظيفة بدقة، ولم يكتفِ بنقد سياسي، بل انخرط في حملة ممنهجة لتضخيم الإشاعات، وإعادة إنتاج الأخبار الكاذبة، وبث خطاب الفتنة والانقسام، وصولًا إلى وصف سلاح المقاومة بأنه “سلاح استعراضي”، في انسجام كامل مع السقف السياسي الذي يلتقي مع المطالب الإسرائيلية والدولية بنزع سلاح المقاومة.

وهذا الخطاب لم يكن رأيًا شخصيًا معزولًا، بل امتدادًا إعلاميًا لسياسات يُديرها مجدلاني وأمثاله من موقع القرار، وحين أصبح عبد الحميد عبد العاطي عبئًا حتى على محيطه الاجتماعي داخل غزة، ومع تزايد الغضب الشعبي ضده، لم يُترك لمصيره، جرى تأمين خروجه من القطاع عبر قنوات السلطة، ودُفعت تكاليف التنسيق اللازمة، ليستقر خارج غزة.

وهذا الخروج لم يكن تفصيلًا عابرًا، بل انتقالًا لافتًا في نمط الحياة. فالإقامة في “مدينتي”، أحد أرقى تجمعات القاهرة، والإنفاق الواضح هناك، يطرحان تساؤلات مشروعة حول طبيعة هذا الرفاه المفاجئ، والجهات التي تقف خلفه، خاصة حين يتزامن مع دور تحريضي منتظم ضد المقاومة من خارج غزة.

والخطأ في قراءة العلاقة بين أحمد مجدلاني وعبد الحميد عبد العاطي هو اختزالها في تقاطع شخصي أو ظرف عابر، ما يجمع الطرفين هو منظومة واحدة متكاملة، سياسي يشرعن التجويع والتطبيع ويقصي غزة إداريًا، وإعلامي بلا موقف ثابت يُعاد تدويره ليبرر هذا النهج ويهاجم المقاومة، وفي هذه المنظومة، لا تُقاس الأدوار بالوطنية أو الأخلاق، بل بمدى الالتزام بتنفيذ المهمة دون تردد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى