تحليلات واراء

طوفان الأقصى نقطة تحوّل في مسار الصراع مع الاحتلال أعاد إحياء القضية الفلسطينية

أطلق هجوم «طوفان الأقصى» الذي نفذته حركة “حماس” وفصائل المقاومة قبل عامين، لاعتباره نقطة تحوّل في مسار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ليس فقط من منظور عسكري، بل من زاوية سياسية ودبلوماسية جعلت من القضية الفلسطينية أولوية طارئة في أروقة القرار الدولي.

وبعد عامين من حرب الإبادة الجماعية التي تلت الهجوم، يمكن تتبُّع سلسلة إنجازات استراتيجية حققتها المقاومة سياسياً على مستوى الاعتراف الدولي، وبخاصة في أوروبا، حيث تجمّعت موجة غير مسبوقة من المواقف الرسمية والشعبية التي رفعت سقف الضغط على دولة الاحتلال ودفعت دولاً غربية إلى خطوات عملية.

ونجاح «طوفان الأقصى» في قلب المعادلات الأمنية الإسرائيلية — كما تُظهِر أحداث الانهيار الجزئي لقدرات الاستخبارات والردع المبكر لإسرائيل — لم يكن نهاية المطاف، بل شكّل مدخلاً لإعادة إنتاج الخطاب الفلسطيني على المستويين الحقوقي والدبلوماسي.

فالمقاومة حوّلت انتصارها الميداني إلى رواية سياسية مؤثرة قادرة على استثمار انكشاف المشاهد الإنسانية في غزة لبلورة تعاطف واسع ومطالب عملية بالعدالة والإنصاف، وهو ما ترجمته دول غربية بإقدامها على إعلان اعترافات رمزية وعملية.

موجة الاعترافات الغربية بدولة فلسطين

خلال الأسابيع الأخيرة شهد العالم «موجة» اعترافات بارزة من دول أوروبية وازنة مثل المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا وإيرلندا ودول أخرى انضمت لاحقاً للمسار.

وما يميز هذه المرحلة أنها لم تَكُن مجرد بيانات تضامن، بل قرارات تنفيذية ودبلوماسية تُعيد رسم خارطة الاعتراف الدولية.

وبحسب مراقبين فإن هناك أسباب متعددة تجعل اعتراف لندن وباريس وما تلاهما أكثر من مجرّد إيماءة رمزية: أولاً، تلك دول مؤثرة في الاتحاد الأوروبي وذات ثقل تاريخي ودبلوماسي — اعترافها يفتح الباب أمام دول أوروبية أخرى لتقليد المبادرة ويضغط سياسياً على العواصم التي تُحجم عن اتخاذ موقف.

كما أن الاعترافات الغربية تُغيّر إطار النقاش من «قضية إنسانية» إلى «مسألة سيادة وشرعية»، ما يُوجّه ملفات لاحقة نحو مؤسسات قانونية ودولية مختلفة (مثل محكمة العدل الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان).

واعتراف دول العالم بدولة فلسطين يغذي الضغط الداخلي على الحكومات الإسرائيلية والداعمين لها سياسياً واقتصادياً فيما توقعات الخبراء تقول إن هذا التصعيد الدبلوماسي يسرّع تدويل المساءلة.

الدور الأوروبي كمحرّك سياسيّ جديد

أوروبا أفضت إلى استدارة جدية من مجرد بيانات إدانات إلى خطوات سيادية. دول مثل سلوفينيا سبقت في الاعتراف العام، ما خلق مسبقاً بيئة سياسية مهيأة لتوسع المبادرة عبر الاتحاد الأوروبي وأعضائه.

ويتغذى هذا الزخم الأوروبي على تصاعد الغضب الشعبي، والتقارير الحقوقية، وانكشاف ازدواجية المعايير في التعاطي مع حقوق الشعب الفلسطيني، ويجعل من بروكسل ساحة ضغط يفضي إلى نتائج عملية. الحالة الأوروبية تحولت من «مكان وسيط» إلى «طرف فاعل» في إعادة تشكيل الحلول المستقبلية.

يضاف إلى ذلك أن الاعترافات الغربية تُضعِف رواية الإقصاء التي اعتمدت عليها إسرائيل طويلاً: إذ لم تعد العملية السياسية تُعرّف فقط عبر رضى واشنطن أو عبر التحالفات الإقليمية، بل عبر مزاج عالمي بات أكثر حساسية للانتهاكات والجرائم الميدانية.

كما يُضاف إلى ذلك أن الاعترافات تُوفّر قواعد دبلوماسية جديدة للفلسطينيين للانخراط في مؤسسات دولية واتفاقيات ثنائية، وتُشجّع فتح ملفات قانونية على مستوى المحاكم الدولية، وتزيد من تكلفة الإبقاء على الوضع القائم بالنسبة إلى إسرائيل وشركائها.

ويرى مراقبون أن الانتصار السياسي الذي يسجّله «طوفان الأقصى» ونتائجه الدبلوماسية لا يعني حل الصراع أو تحقيق دولة مستقلة قابلة للحياة، كون أن الاعترافات هي بداية، لا خاتمة.

إذ أنه لا تزال هناك عقبات عملية (حدود، مقررات دولية، إعادة إعمار، عودة اللاجئين، وترتيبات أمنية)، وهناك أيضاً مقاومة سياسية داخل بعض دول الغرب والقوى الإقليمية للقبول بتغيير جذري في الواقع على الأرض.

لكن الاعترافات تكسر حاجز الصمت وتُقلِّص هامش المناورة لإسرائيل، وتفتح قنوات ضغط قانونية ودبلوماسية جديدة.

تأثير داخلي فلسطيني وإقليمي

سياسياً داخل فلسطين، تغيّر الحسابات باعتبار أن الاعترافات تمنح الحركة الوطنية زخماً تفاوضياً وتزيد من الشرعية الدولية لمطالبها، لكنها أيضاً تثير نقاشات حول تمثيل شرعي مستقبلي وإدارة ما بعد الاعتراف، خصوصاً في الملفات الإدارية والأمنية.

إقلیمياً، الاعترافات تُشكّل ضربة لاستراتيجية التطبيع العربي من دون حلّ القضية الفلسطينية.

كما أن «طوفان الأقصى» حقق إنجازاً لم يعد يختصره السلاح أو الميدان؛ إنما امتدّ إلى التحولات الدبلوماسية الكبرى التي تشهدها أوروبا والعالم الغربي.

والاعترافات المتسارعة تُحوّل القضية الفلسطينية إلى مشروع سياسي قابل للحياة على الساحة الدولية، وتُحَفِّز مسارات قانونية ودبلوماسية جديدة. والإنجاز الحقيقي هو أن الفلسطينيين، بعد سنوات من العزل والتهميش، باتوا اليوم طرفاً يُكسب وهماً عالمياً للعدالة والشرعية — وهو رصيد سياسي لا يُستهان به في أي مفاوضات مستقبلية.

لكن الطريق إلى دولة مستقلة وآمنة يظل طويلاً ومضنياً، لا تُقصره بيانات الاعتراف وحدها، بل تُستكمل بخطوات عملية على الأرض تضمن الحقّ في تقرير المصير والعدالة والعودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى