تحليلات واراء

تعليقات نارية على مقابلة أكرم الرجوب: غضب شعبي ضد تبييض جرائم الاحتلال وتواطؤ السلطة

أثارت مقابلة اللواء أكرم الرجوب القيادي في حركة “فتح” المحافظ السابق لمحافظة جنين، مع عصمت منصور عبر منصة “مزيج” المموّلة إماراتيًا، عاصفة من الانتقادات الحادة في الشارع الفلسطيني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عبرت عن غضب شعبي ضد تبييض جرائم الاحتلال وتواطؤ السلطة.

وتضمن الإعلان الترويجي لمقابلة الرجوب تصريحات صادمة هاجم فيها المقاومة الفلسطينية وحمّلها مسؤولية تدمير غزة، في تماهٍ فاضح مع السردية الإسرائيلية والإعلام الخليجي الممول.

ووصفت المقابلة التي رُوّج لها بعبارات مثيرة مثل: “السلطة أخطأت بعدم حسم الصراع مع حماس” و “أعراض هُتكت وكرامات أُهينت تحت شعار المقاومة”، ومن آلاف المغردين والنشطاء بأنها “مقابلة تبييض للعمالة والتنسيق الأمني”، وبأنها استمرار لمسلسل التحريض على المقاومة من داخل المنظومة الأمنية والسياسية التي تمثلها السلطة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو.

منصة “مزيج”.. الذراع الإماراتي في التحريض

لم تكن المنصة التي استضافت الرجوب عفوية أو محايدة. فـ “مزيج”، بحسب تقارير إعلامية متقاطعة، تُموَّل إماراتيًا وتتبنى خطابًا مناهضًا للمقاومة ومتقاطعًا مع السياسات الرسمية لأبوظبي، التي تصف حركات المقاومة الفلسطينية بأنها “ميليشيات متطرفة”، وتدفع باتجاه مشروع “ما بعد المقاومة” بالتنسيق مع واشنطن وتل أبيب.

واستضافة شخصية مثيرة للجدل مثل أكرم الرجوب، المعروف بعدائه الشديد للمقاومة وتنسيقه الأمني مع الاحتلال خلال فترة عمله محافظًا لجنين، جاءت ضمن هذا السياق.

فالمقابلة لم تكن نقاشًا سياسيًا بقدر ما كانت تكرارًا لمقولات الأجهزة الأمنية التي تسعى لتشويه المقاومة واتهامها بخراب غزة، في الوقت الذي ما تزال فيه إسرائيل تمارس الإبادة على مرأى العالم.

ردود نارية.. من “جنين” إلى الشتات

ما إن نُشرت مقتطفات المقابلة حتى انفجرت موجة من التعليقات النارية على المنصات الفلسطينية والعربية. تنوعت بين السخرية واللعنات والغضب، لكنها اشتركت جميعًا في وصف الرجوب بـ“العميل” و“المتحدث باسم الاحتلال”.

كتب أحد المغردين: “العكس تمامًا.. كان يفترض حماس تصفي حسابها مع سلطة الخيانة الانبطاحية في رام الله.”

وقال آخر مخاطبا الرجوب: “المشكلة إنك عليك شبهات وبتتحدث في أمور أكبر منك.. لا تنسى ما فعلت في جنين.”

وأضاف ناشط ثالث موجها حديثه للرجوب: “لا أنت ولا غيرك بقيم المجاهدين.. هاي إسرائيل تغتصب الأعراض وتقتل الأطفال في الضفة وبمساعدة رجال السلطة، وما شفناك طلعت.”

وتكررت عبارات الغضب مثل: “بودكاست مع عميل.. شو متوقعين يحكي؟”، و“خزيتونا باتفاقية أوسلو المخزية.. عليكم غضب الله”، فيما ورد في تغريدة أخرى “روحوا حرروا الضفة يا منظمة التحرير.. ضيعتوا الضفة بالتنسيق الأمني.”

واللافت في ردود الفعل أن الهجوم لم يأتِ فقط من أنصار المقاومة الإسلامية، بل من طيف واسع من الفلسطينيين في الداخل والخارج، وحتى من أنصار حركة فتح الذين عبّروا عن خجلهم من خطابات تسيء لتاريخ النضال الفلسطيني.

الرجوب.. سجل من العداء للمقاومة

أكرم الرجوب ليس وجهاً جديداً في مشهد العداء للمقاومة. فمنذ توليه مناصب متعددة في جهاز الأمن الوقائي ثم محافظاً لنابلس وجنين، ارتبط اسمه بحملات ملاحقة واعتقال المقاومين، خصوصًا خلال فترات تصاعد العمل المسلح في مخيم جنين.

وقد عُرف بتصريحاته المستفزة، أبرزها حين قال عام 2022: “أنا في جنين منذ ثلاث سنوات، لا شفت جندي مطخوخ ولا مستوطن مجروح، فبلاش الحكي اللي ملوش معنى.” وهي جملة اعتبرها الفلسطينيون وقتها “وثيقة خيانة علنية”.

وفي فترته كمحافظ، شنّ الرجوب حملات إعلامية ضد فصائل المقاومة ووصف مقاتليها بأنهم “خارجون عن القانون”، وتفاخر بعلاقاته مع أجهزة الأمن الإسرائيلية.

ولم يكن مستغربًا أن تتم إقالته عام 2023 بقرار من محمود عباس بعد فشله في “احتواء” المقاومة التي تمددت في جنين ومخيمها، رغم الدعم اللوجستي الذي تلقاه من جهاز المخابرات العامة بقيادة ماجد فرج.

والمقابلة لم تمر في فراغ إعلامي، بل جاءت ضمن نمط متكرر تشارك فيه منصات ممولة خليجيًا – من بينها “مزيج” و”جسور” لإعادة صياغة الرواية الفلسطينية بما يخدم مشروع “السلام الإقليمي”.

ويتم فيها تلميع شخصيات محسوبة على السلطة، مثل الرجوب أو غيره من القيادات الأمنية، لتقديمهم كـ“أصوات عقلانية” في مواجهة ما يُسمى “فوضى المقاومة”، بينما يتم تجاهل أصوات الميدان والضحايا والمجازر اليومية في غزة والضفة.

بهذا المعنى، تحولت المقابلة إلى جزء من آلة تطبيع إعلامي ناعم، توازي ما تقوم به الأنظمة العربية المتحالفة مع إسرائيل سياسيًا واقتصاديًا.

لكن أبرز ما كشفته المقابلة هو عمق الهوة بين الشارع الفلسطيني والسلطة الحاكمة في رام الله. فبينما يعيش الفلسطينيون مأساة الإبادة في غزة وتوغلات الاحتلال اليومية في الضفة، يظهر مسؤول سابق في السلطة ليلوم المقاومة، في تناقض صارخ مع المزاج الشعبي الذي يرى في المقاومة – رغم الدمار والمعاناة – الخيار الوحيد أمام الاحتلال.

أحد المعلقين لخّص الموقف بقوله: “المقاومة كانت وما زالت هي الطريق.. وجماعة فتح انحرفوا إلى طريق الدولار.”

تلك الجملة تلخص روح الغضب الجمعي الذي لم يعد يرى في السلطة سوى ذراع أمني يخدم الاحتلال، ولا في رموزها سوى أدوات لإدامة الانقسام وتثبيت “الوظيفة الأمنية” التي أنشئت بموجب اتفاق أوسلو.

ويرى مراقبون أن مقابلة أكرم الرجوب وتصريحاته الواردة تمثل مرآة لمرحلة خطيرة من الانحدار في الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي، وتأكيد على حجم الاختراق الإماراتي – الإسرائيلي للساحة الإعلامية العربية.

فقد حوّل الرجوب المأساة في غزة إلى مادة للتشهير بالمقاومين، وحوّل نفسه إلى نموذج للانفصال عن وجدان الشعب الذي يقدّس المقاومة ويعيش تحت نيران الاحتلال.

لكن ردّ الشارع الفلسطيني كان حاسمًا: لا شرعية لمن يهاجم المقاومين أو يبرر جرائم الاحتلال، ولا مكان في الذاكرة الوطنية لمن باع بوصلته للمال والمناصب فيما أثبتت التعليقات التي غمرت الفضاء الإلكتروني أن وعي الفلسطينيين ما زال عصيًّا على الاختراق، وأن كل محاولات “مزيج” وأمثالها لن تقدر على غسل عار من جعل نفسه شاهد زور على دماء غزة وجنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى