تحليلات واراء

في الذكرى الثانية لـ7 أكتوبر: شبكة أفيخاي تستنفر لتشويه رموز المقاومة

مع حلول الذكرى الثانية لهجوم طوفان الأقصى الذي فجر معادلات الصراع في السابع من أكتوبر 2023، عادت “شبكة أفيخاي” وهي منظومة من الذباب الإلكتروني والإعلاميين المرتبطين بجهاز الدعاية الإسرائيلي – إلى واجهة المشهد، في حملة منسقة لتشويه رموز المقاومة الفلسطينية ومحاولة طمس صورة القادة الذين صنعوا الحدث الذي زلزل أركان الاحتلال.

وفي الحملة الجديدة، صدرت الأوامر مباشرة من الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي إلى “كلابه النابحة”، كما وصفهم ناشطون فلسطينيون، بإطلاق هجوم إلكتروني وإعلامي منظم ضد الشهيد يحيى السنوار، قائد عملية الطوفان، مستخدمين الصورة ذاتها والمحتوى نفسه، وفي توقيت واحد، في مشهدٍ يُجسد أعلى درجات التنسيق والتوجيه المركزي في الحرب الدعائية الإسرائيلية.

ولم يكن ما جرى عشوائيًا، إذ أن عشرات الحسابات والمواقع والمنصات المرتبطة بشبكة أفيخاي نشرت الصورة نفسها للسنوار داخل أحد أنفاق المقاومة، مع تعليقات تسخر من “الاختباء” و”الهروب”، في محاولة مكررة لتشويه صورة القائد الذي تحول إلى رمز في الوعي الفلسطيني والعربي والدولي بعد معركة طوفان الأقصى.

وتوحيد الرسالة وتكرارها في وقتٍ متزامن يؤكد وجود غرفة عمليات رقمية إسرائيلية تعمل بتنسيق مباشر مع بعض النشطاء العرب المرتبطين بتمويل إماراتي وسعودي، لا سيما المنصات التي تتلقى دعمًا من أبوظبي مثل “جسور” و “مزيج”* و“الرؤية”، والتي أصبحت واجهات ناعمة للدعاية الإسرائيلية عبر “وكلاء محليين” يتحدثون بلسان الاحتلال.

والهدف من الحملة – كما يرى محللون فلسطينيون – هو إعادة شيطنة المقاومة وتشويه رموزها في الذكرى التي تذكّر الإسرائيليين والعالم بانهيار هيبتهم العسكرية، وبأن “الجيش الذي لا يُقهر” كُسر على أيدي مقاتلين خرجوا من تحت الأرض في واحدة من أعظم العمليات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

منير الجاغوب.. نموذج “فتحاوي أفيخاي”

في موازاة ذلك، خرج القيادي الفتحاوي منير الجاغوب بتغريدةٍ وصف فيها يوم 7 أكتوبر بأنه “يوم الإبادة والنكبة”، محاولًا إعادة تعريف الحدث من منظور يتناغم مع رواية الاحتلال.

ردود الفلسطينيين كانت قاطعة: “كانت نكبة على الاحتلال وأذنابه يا منير، باعتراف قادته أنفسهم”.

لم يكن الجاغوب يغرد خارج السرب، بل كرر السردية التي تبنتها بعض الدوائر الرسمية في رام الله، والتي حاولت منذ اليوم الأول للمعركة تبرئة الاحتلال وتحميل المقاومة مسؤولية الدمار في غزة.

لكن الوقائع الميدانية والسياسية أثبتت أن “النكبة الحقيقية” كانت في موقف السلطة التي منعت التظاهرات التضامنية في الضفة الغربية، واعتقلت المئات ممن رفعوا علم غزة، وأطلقت النار على المحتجين، ما أدى إلى استشهاد 11 فلسطينياً خلال مسيرات دعم القطاع في الأيام الأولى من العدوان.

إنها سلطةٌ – كما وصفها ناشطون – حاربت التضامن مع غزة بأوامر إسرائيلية، فتركت القطاع يواجه الإبادة وحيدًا، بينما جنين ونابلس وطولكرم تحت قيود التنسيق الأمني. ولو أن الضفة تحركت حينها كما فعلت غزة في وجه العدو، لتغيرت موازين الحرب بأكملها.

محمد منذر البطة.. عنصرية وسقوط أخلاقي

أما الناشط الفتحاوي محمد منذر البطة، فاختار السخرية من الشهيد يحيى السنوار بأسلوب عنصري مقيت، في انعكاس واضح لحالة الإفلاس الأخلاقي والسياسي لدى تيارٍ من أبناء السلطة الذين فقدوا أي انتماء وطني أو قيمي.

لكن الرد الشعبي كان حاسمًا: “لا يضر السحاب نبح حثالات شبكة أفيخاي، ولا يضر المقاوم الذي خطط ونفذ تطاول البهائم من مخلفات أوسلو وحراس مستوطنات الاحتلال.”

فبينما يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر في الضفة الغربية بغطاءٍ من أجهزة السلطة، يجد بعض هؤلاء النشطاء الوقت لتشويه من قاوم واستشهد دفاعًا عن الأرض والعرض.

المفارقة أن “البهائم الإلكترونية” التي تهاجم المقاومة اليوم كانت قبل عامين تهتف باسم قادتها عندما هزّت صواريخ غزة تل أبيب، لكنها ارتدت إلى خطاب “أفيخاي” حين صارت المصلحة تقتضي التمويل والظهور الإعلامي.

شبكة أفيخاي.. منظومة “العرب الإسرائيليين الجدد”

شبكة أفيخاي ليست مجرد حسابات على “إكس” و”فيسبوك”، بل منظومة منظمة من إعلاميين وناشطين يتلقون تعليماتهم من دوائر إسرائيلية وأخرى خليجية موالية لها.

وتضم هذه الشبكة وجوهًا معروفة مثل منير الجاغوب، جمال نزال، أنور رجب، ووليد شريم، إلى جانب صفحات تديرها منصات تمويلها إماراتي مثل “جسور” و“مزيج”، التي تعمل على بث محتوى “معتدل ظاهريًا” لكنه موجّه بدقة لشيطنة حماس والجهاد الإسلامي ولتشويه أي فصيل يرفع السلاح في وجه الاحتلال.

وتتحرك هذه الشبكة في أوقاتٍ محددة، أبرزها في الذكرى السنوية لطوفان الأقصى، أو عندما تُمنى دولة الاحتلال بنكسة ميدانية جديدة، لتعيد توجيه الرأي العام نحو المقاومة باعتبارها “سبب البلاء”، في حين يتم تلميع الأنظمة المطبّعة وتقديمها كـ“صوت العقل والسلام”.

لكن رغم كثافة هذه الحملات، تكشف ردود الشارع الفلسطيني والعربي أن ماكينة الدعاية الإسرائيلية – بكل أذرعها – فشلت في اختراق الوعي الجمعي.

فبعد عامين من الحرب والإبادة، لا يزال الفلسطينيون يرون في طوفان الأقصى لحظةَ مجدٍ وكرامة، لا يمكن لأي “شبكة أفيخاي” أو أبواقٍ ممولة أن تمحوها. وقد أثبتت التعليقات الشعبية والمواقف الجماهيرية أن الفلسطيني البسيط بات يدرك أن المعركة ليست فقط على الأرض، بل أيضًا على الوعي، وأن الاحتلال يستخدم “عملاء الكلمة والصورة” كما يستخدم جنوده ودباباته.

ويؤكد ذلك أن ذكرى 7 أكتوبر تذكّر الاحتلال بهزيمته الكبرى، وتذكّر الأمة بأن القادة الحقيقيين هم من قاتلوا واستشهدوا، لا من قبضوا رواتبهم لتشويه الشهداء، بينما مصير حملات أفيخاي وأتباعه في مزبلة التاريخ، حيث لا يبقى سوى صوت المقاومة ووهج الطوفان الذي غيّر وجه التاريخ الفلسطيني إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى