شبكة أفيخاي تحرّض للفتنة بين المقاومة والعائلات في غزة

في الوقت الذي تسعى فيه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة إلى إعادة فرض الأمن وضبط الفوضى التي خلّفتها حرب الإبادة الإسرائيلية لمدة عامين، تطفو على السطح حملة تحريض ممنهجة تقودها حسابات ومنصات “شبكة أفيخاي”، هدفها ضرب النسيج الاجتماعي الداخلي، وإحداث شرخ بين المقاومة والعائلات الكبرى في غزة.
وتأتي هذه الحملة ضمن حرب نفسية وإعلامية منسقة، تستغل الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع بعد عامين من الحرب، لتشويه صورة المقاومة والأجهزة الأمنية، عبر روايات كاذبة تروّج لوجود “حرب” بين فصائل المقاومة وبعض العائلات الفلسطينية، في محاولة لتقويض وحدة الجبهة الداخلية التي أثبتت صمودًا أسطوريًا أمام العدوان الإسرائيلي.
محمد أبو طه.. ضابط السلطة الهارب وعضو شبكة أفيخاي
في صدارة هذه الحملة يبرز اسم محمد أبو طه، وهو ضابط سابق في جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله، فرّ إلى مصر قبل سنوات بعد تورطه في ملفات فساد وتعاون أمني.
وقد أصبح أبو طه اليوم أحد أبرز وجوه شبكة أفيخاي، التي تضم ناشطين مأجورين وإعلاميين يعملون ضمن منظومة التحريض الإسرائيلية، ويستخدمون منصات التواصل الاجتماعي كمنابر لبث الإشاعات والانقسامات.
ونشر أبو طه تدوينات ومقاطع فيديو ادّعى فيها أن المقاومة في “حرب” مع العائلات في قطاع غزة، زاعمًا أن الأجهزة الأمنية تستهدف أبناء عائلات بعينها مثل دغمش وبكر وحلس، في محاولة لتأليب الرأي العام الداخلي ضد الفصائل.
لكن الحقيقة، كما يؤكد شهود ميدانيون ومصادر محلية، هي أن هذه العمليات ليست موجهة ضد العائلات أو أنسابها، بل ضد مجموعات محدودة من اللصوص والعملاء الذين استغلوا حالة الفوضى للنهب أو التعاون مع الاحتلال.
الفوضى المقصودة… والردّ الشعبي
منذ وقف إطلاق النار، تعمل الأجهزة الأمنية في غزة على استعادة الاستقرار، بعد أن تركت الحرب وراءها فراغًا أمنيًا استغله بعض المنفلتين، سواء في أعمال السرقة أو في ترويج الإشاعات لصالح الاحتلال.
ومع ذلك، فإن المجتمع الغزي أظهر دعمًا واسعًا لهذه الإجراءات، معتبرًا أن ضبط الفوضى ضرورة وطنية.
لكن شبكة أفيخاي وأذرعها الإعلامية تسعى إلى تحويل هذه الإجراءات إلى مادة تحريضية، عبر تصويرها كصراع داخلي، متناسية أن غزة – رغم جراحها – ما زالت متماسكة اجتماعيًا.
والمفارقة أن من يقود هذا التحريض يعيش خارج حدود القطاع، في حين أن العائلات نفسها وقفت إلى جانب المقاومة في مواجهة الاحتلال.
شبكة أفيخاي… مشروع استخباراتي خبيث
تعمل شبكة أفيخاي – التي تُنسب إلى الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي – على بناء منظومة إعلامية من الحسابات الوهمية والحقيقية، يديرها إسرائيليون وعرب مرتبطون بالأجهزة الأمنية في رام الله وأبوظبي والقاهرة.
وتسعى هذه الشبكة إلى تفكيك البنية المعنوية والاجتماعية لغزة، عبر بث أخبار مفبركة تتعلق بالعائلات، أو اتهام المقاومة بقتل أبرياء، أو تصوير عمليات الأمن الداخلي كـ”تصفيات عشائرية”.
والهدف النهائي واضح: نزع الشرعية الشعبية عن المقاومة وتغذية الانقسام الداخلي في مرحلة ما بعد الحرب، حين تستعد القوى الوطنية لإعادة ترتيب الوضع الداخلي.
ويرى محللون أن هذا التحريض يدخل ضمن المرحلة الثانية من الحرب الإسرائيلية على غزة، أي الحرب الإعلامية والنفسية، بعد فشل الحسم العسكري. فالاحتلال، ومعه حلفاؤه الإقليميون، باتوا يدركون أن الطريق إلى تفكيك المقاومة يمر عبر تفكيك المجتمع، وأن خلق الشك بين الفصائل والعائلات قد يكون أنجع من القنابل.
المقاومة تحافظ على الانضباط… والعائلات ترفض الانجرار
رغم هذه الحملات، تُظهر الوقائع الميدانية أن المقاومة نجحت في احتواء الفوضى دون انزلاقٍ إلى مواجهات داخلية. فكل عمليات الملاحقة التي نُفّذت خلال الأسابيع الماضية تمت وفق إجراءات أمنية محددة ضد عناصر ثبت تورطهم في جرائم نهب أو تعاون مع الاحتلال.
ويشير مراقبون إلى أن البيئة الشعبية في غزة اليوم أكثر وعيًا من أن تنخدع بتلك الدعايات. فالعائلات الكبرى، التي دفعت مئات الشهداء على مدى عامين من العدوان، تدرك أن من يروّج لهذه الفتن لا يريد الخير لغزة، بل يسعى إلى تحقيق أهداف سياسية موازية تتقاطع مع مشاريع ما يسمى بـ”مجلس إدارة غزة” أو “خطة بلير–ترامب”، التي تسعى لفصل غزة عن مسارها المقاوم وتحويلها إلى منطقة أمنية محايدة.
بموازاة ذلك تظهر البيانات المتداولة أن منشورات شبكة أفيخاي ومشتقاتها تلقى تفاعلًا مصطنعًا من حسابات موجهة تديرها شركات إعلامية ممولة من الخارج، تهدف إلى تضخيم الصراعات الداخلية. لكن في المقابل، فإن وعي الشارع الغزي – الذي خبر حربًا دموية واستهدافًا جماعيًا – بات أكثر إدراكًا لأدوات الحرب النفسية، ويردّ على هذه الروايات بالسخرية أو التجاهل.
وفي هذا السياق، قال أحد وجهاء غزة في تصريح محلي: “من يهاجم المقاومة اليوم بحجة العائلة لا يمثل العائلة. نحن نعرف أبناءنا جيدًا، ونعرف أن بعض الخارجين على القانون لا يمثلون إلا أنفسهم”.