وفد حكومي سعودي يلتقي أسيراً إسرائيلياً محرَّراً من غزة

في مشهد يلخص تحوّلات الموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية عن لقاء جمع الأسير الإسرائيلي السابق في غزة “عيدان ألكسندر”، بوفد حكومي سعودي رفيع.
وقد ضم الوفد السعودي وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان وسفيرة الرياض لدى واشنطن الأميرة ريما بنت بندر، وذلك في البيت الأبيض على هامش زيارة مشتركة لمسؤولين سعوديين وألكسندر للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
واللقاء الذي جرى الأسبوع الماضي وتم الكشف عنه في الساعات الأخيرة، يمثّل سابقة هي الأولى من نوعها، إذ لم يسبق لمسؤولين سعوديين بهذا المستوى أن أجروا أي تواصل معلن أو غير معلن مع أسرى إسرائيليين محرَّرين، ناهيك عن الاستماع لتفاصيل أسرهم في غزة على يد فصائل المقاومة الفلسطينية.
ورغم محاولات الإعلام السعودي تجاهل الحدث أو التقليل من شأنه، فإن تفاصيله التي نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية مثل “تايمز أوف إسرائيل” و”القناة 12″ الإسرائيلية تكشف عن مستوى غير مسبوق من التطبيع الإنساني والعاطفي، الذي يهيّئ الأرضية لتطبيع سياسي رسمي بين الرياض وتل أبيب.
إذ تحدث ألكسندر مع المسؤولين السعوديين “بطلاقة بالعربية”، لغة اكتسبها خلال فترة أسره التي امتدت لـ584 يوماً في قطاع غزة، وروى لهما ما وصفه بمعاناته وظروف احتجازه.
تجاهل مأساة غزة
المفارقة الصادمة في اللقاء أن السعودية موطن الحرمين الشريفين والتي لطالما تغنت بالدفاع عن القضية الفلسطينية، تجاهلت تماماً ما يتعرض له أكثر من مليونَي فلسطيني في قطاع غزة من حصار وتجويع وقتل وتدمير في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
فبينما وجّهت الرياض اهتمامها نحو أسير إسرائيلي واحد محرَّر، لم تُبد أي بادرة مماثلة تجاه مئات الأسرى الفلسطينيين المحرَّرين من سجون الاحتلال الإسرائيلي، بل لم يُسجَّل حتى اليوم استقبال رسمي سعودي لأي أسير فلسطيني أُفرج عنه بعد سنوات طويلة من الاعتقال.
هذا التجاهل يزداد خطورة بالنظر إلى أنّ السعودية لم ترحّب حتى إعلامياً بأسماء فلسطينية بارزة خرجت من الأسر الإسرائيلي مؤخراً، بل امتنعت عن أي تنسيق لاستقبال أسرى محرَّرين أُبعدوا قسراً من وطنهم عقب الإفراج عنهم.
وعلى النقيض من مواقف تاريخية كانت المملكة تتبناها، لم تصدر عن الرياض أي مواقف رسمية وجدية تدين حملات الاعتقال الجماعية التي يشنها الاحتلال، أو تطالب بالإفراج عن الأسرى، نساءً وأطفالاً وشيوخاً، في السجون الإسرائيلية.
ازدواجية معايير صارخة
يرى مراقبون أن اللقاء السعودي – الإسرائيلي الأخير يجسد ازدواجية المعايير التي باتت تسم السياسة السعودية تجاه فلسطين.
فمن جهة، تستمر الرياض في ترديد شعارات دعم الحقوق الفلسطينية، بينما تتحرك على أرض الواقع بشكل يكرس تقاربها مع دولة الاحتلال، حتى لو جاء ذلك على حساب دماء الفلسطينيين وآلامهم.
وبينما تصمت السعودية حيال ضحايا المجازر في غزة، أو الأسرى الفلسطينيين الذين يعانون ويلات الاعتقال والتعذيب في السجون الإسرائيلية، نجدها تصغي بإمعان لأسير إسرائيلي يروي معاناته الشخصية.
وبحسب مراقبين فإن الأمر ليس مجرد موقف إنساني أو تصرف بروتوكولي؛ بل هو رسالة سياسية واضحة: المملكة تفتح أبوابها للاعتراف بالرواية الإسرائيلية على حساب سردية الفلسطينيين ومظلوميتهم.
وهو ما يتلاقى تماماً مع السياسة الأميركية الداعمة لإسرائيل، والتي تضغط من أجل دمج تل أبيب تدريجياً في المحيط العربي، سواء عبر اتفاقيات أمنية أو تطبيع اقتصادي أو لقاءات من هذا النوع، التي تهدف إلى تطبيع إنساني ومجتمعي يمهّد للتطبيع السياسي الشامل.
التطبيع المتسارع
يأتي اللقاء السعودي بأسير إسرائيلي محرَّر في توقيت بالغ الحساسية، إذ تتزايد المؤشرات حول قرب إعلان اتفاقات تطبيع جديدة بين دولة الاحتلال وعدة دول عربية، على رأسها السعودية.
ومن غير المستبعد أن يكون هذا اللقاء جزءاً من سياسة مدروسة تهدف إلى كسر الحواجز النفسية والوجدانية لدى الرأي العام الخليجي والعربي تجاه دولة الاحتلال.
فبحسب التقارير الإسرائيلية، جاء اللقاء بعد لقاء ألكسندر بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لعب دوراً في الإفراج عنه من غزة في أيار/مايو الماضي.
كما تزامن مع زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، حيث يتوقع أن يطرح ملف التطبيع مع الرياض ضمن أبرز أجندات النقاش.
وهو ما يعزز الاعتقاد بأن مثل هذه اللقاءات تُستثمر سياسياً لدفع عجلة التطبيع إلى الأمام، خصوصاً بعد تسريبات متواترة حول تفاهمات أمنية واقتصادية بين البلدين خلف الأبواب المغلقة.
بيع القضية الفلسطينية
لقاء الوفد السعودي مع ألكسندر يبعث برسالة غاية في الخطورة إلى الفلسطينيين والعالم العربي مفادها أن المملكة لم تعد ترى في القضية الفلسطينية أولوية وطنية أو قومية، بقدر ما أصبحت تنظر إليها كورقة مساومة في علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب.
فقد بات واضحاً أن الرياض مستعدة لتجاوز كل المحرمات السياسية والأخلاقية التاريخية إذا كان ذلك يقرّبها أكثر من الولايات المتحدة ويمنحها أدواراً إقليمية أكبر.
وهذه الخطوة، مهما حاولت الرياض التعتيم عليها، تشكل إهانة لمشاعر ملايين العرب والمسلمين، الذين يرون في فلسطين قضية حرية وعدالة لا يجوز المتاجرة بها أو المساومة عليها.
وهي تعزز الانطباع بأن المملكة، بدلاً من أن تكون درعاً سياسياً ودينياً للقضية الفلسطينية، تتحول تدريجياً إلى حليف لإسرائيل، ولو على حساب حقوق شعب محاصر يتعرض لأبشع الجرائم.