تحليلات واراء

غيابٌ فاضح أم حسابات باردة؟ دلالات تخلّف السعودية والإمارات عن قمة شرم الشيخ

سلط موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، الضوء على دلالات تخلّف السعودية والإمارات عن قمة شرم الشيخ التي انعقدت بزخم عربي ودولي لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة.

وبحسب الموقع لم تكن المقاعد الشاغرة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد مجرد تفصيل بروتوكولي على الرغم من التوقع المسبق من مصادر أمريكية وإسرائيلية حضورهما.

واعتبر الموقع أن غياب كل محمد بن سلمان ومحمد بن زايد يمثل رسالة سياسية صريحة إلى مصر والمنطقة معًا بأن الرياض وأبوظبي لن تمنحا القاهرة «شيكًا على بياض» للانفراد بسردية ما بعد الحرب.

استعراض مصري… ومقاطعة خليجية محسوبة

سعت القاهرة، مستثمرةً زخم الوساطة الممتد منذ عامين، إلى تثبيت صورة «العرّاب الإقليمي» لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة وخارطة اليوم التالي.

لكن اختيار السعودية والإمارات الاكتفاء بتمثيل وزاري كشف عن تنافرٍ مع هذا المسعى؛ يعود إلى اعتبارات الهيبة والنفوذ والاعتراض الضمني على سجل إدارة المعابر والحصار، وعلى الطريقة التي صيغت بها «قصة النجاح» المصرية.

فعندما تُرفع اللافتات التي تجمع ترامب والسيسي على واجهة المنتجع، ويُقدَّم الوقف الهش للنار كمنجز مصري، ترى الرياض وأبوظبي أن نصيبهما من «الكعكة السياسية» يجري تقليصه، رغم ما تريان أنه نفوذ ثقيل لديهما في واشنطن ومفاتيح تمويل إعادة الإعمار.

“فاتورة غزة” كورقة ضغط

يعرف الجميع أن الكلفة الفلكية لإعمار غزة ستدفع نحو الخليج، وتحديدًا من السعودية والإمارات. لذا جاء الغياب كـأداة تفاوض مبكرة: لا أموال بلا دورٍ مُشَارِك في تعريف مستقبل القطاع—أمنًا وحكمًا واقتصادًا.

وبقدر ما تُروِّج القاهرة لعودتها إلى «مقعد القيادة»، تُلوّح العاصمتان الخليجيتان بمفتاح التمويل لتعديل توازن الأدوار، وإعادة توزيع «حقوق التأليف» في المشهد الإقليمي لما بعد الحرب.

ولا يُخفى أن أبوظبي والرياض تتفاديان أي مسار يُبقي فصائل المقاومة الفلسطينية لاعبًا حيًّا—حتى لو تراجعت من الحكم المباشر—خشية انعكاس ذلك على الداخل.

فالإمارات، صاحبة السجل الأكثر تشددًا ضد تيارات الإسلام السياسي، ترى في أي حضورٍ لحركة حماس وفصائل المقاومة «سابقةً خطيرة».

والسعودية، المنخرطة في تحول اجتماعي واسع، لا ترغب في قصة «مقاومة شعبية–دينية» تُنازع روايتها الحداثية.

لذلك، بدا واضحًا أن غياب القادة إشارة اعتراض على هدنةٍ لا تُفضي إلى تفكيكٍ كامل لقدرات حماس، وأن أي ترتيبات انتقالية لا تُنهي «المعادلة الحركية» للحركة ستبقى، بنظرهم، قنبلة موقوتة.

شرم الشيخ بين الاستعراض والشرعية

أراد السيسي وضع ختم «صُنع في القاهرة» على اتفاقٍ متعدد الرعاة. لكن سجل مصر في إدارة معبر رفح وقمع التضامن الداخلي أضعف أهليتها الأخلاقية لدى قطاعات عربية واسعة، ومنح خصومها فرصة القول إن الدور المصري كان انتقائيًا: غرف مفاوضات مفتوحة وممرات إنسانية مغلقة.

هنا يتقاطع النقد الشعبي مع الحسابات الخليجية الباردة: ما لم تُصحّح القاهرة هذا التوازن—خطابًا وممارسة—ستصطدم محاولتها لاستعادة «قيادة عربية» بجدار الشكوك.

ويُفاقم المشهد التنافس المكتوم بين الرياض وأبوظبي منذ أعوام: سباق على الموانئ واللوجستيات، تباينات في ملفات اليمن وشرق إفريقيا، ومواقف متمايزة من وتيرة الانفتاح على دولة الاحتلال.

وقد أظهر تمثيل عربي باهت—إلى جوار الغياب السعودي والإماراتي—أن القمة بدت أقرب إلى منصة ثنائية مصرية–أمريكية منها إلى إجماعٍ إقليمي، ما يمنح المنتقدين ذريعة اعتبار المخرجات «مفروضة من الخارج» لا تعكس مصالح المنطقة.

وبحسب مراقبين فإن القاهرة في اختبار مزدوج وتواجه اختبارين متوازيين:

  1. اختبار الكفاءة: هل تستطيع ترجمة هدنةٍ هشة إلى ترتيبات أمنية–إدارية قابلة للحياة في غزة، دون تسليم القرار لاحتلالٍ مقنّع أو لفراغٍ يبتلع المساعدات؟
  2. اختبار الشراكة: هل تقبل تقاسم الأدوار والرمزية مع ممولين ثقلاء، أم تراهن على مظلة أمريكية لتجاوز الاعتراض الخليجي؟

حتى الآن، تقول المقاعد الشاغرة إن الرسالة وصلت: لن تمنح السعودية والإمارات شرعيةً مجانيةً لعرضٍ مصري منفرد، ولن تكتبا الشيك قبل رؤية شروطٍ واضحة من بينها إقصاء فصائل المقاومة عن المشهد، وضمانات ألا تتحول إعادة الإعمار إلى «ريع نفوذ» لطرف واحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى