معالجات اخبارية

تصعيد خطير في قمع الصحافة: أجهزة السلطة تمدّد اعتقال الصحفي سامي الساعي

مدّدت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية اعتقال الصحفي “سامي الساعي” لمدة “15 يومًا” بعد يومين على اختطافه من أحد شوارع مدينة طولكرم، وفق ما أفادت مصادر محلية وبيان “لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية”.

ويأتي التمديد وسط موجة اعتقالات سياسية تطال صحفيين وطلبة وأسرى محررين، على خلفية الرأي والنشاط العام، ما يرسّخ صورة قاتمة عن واقع الحريات الإعلامية في الأراضي الفلسطينية.

وتؤكد روايات الشهود أن قوة أمنية بلباس مدني اعترضت الساعي في الشارع واقتادته دون إبراز مذكرة توقيف أو توضيح التهمة، قبل أن يُعلن لاحقًا عن تمديد توقيفه إداريًا.

وتصف عائلته والمحامون ما جرى بأنه “احتجاز تعسفي بلا سند قانوني” يخرق الضمانات الدنيا للإجراءات العادلة، بدءًا من حق الاطلاع على التهم وحق التواصل مع المحامي، وصولًا إلى العرض السريع على قاضٍ مستقل.

من هو الصحفي سامي الساعي؟

في بيان شديد اللهجة، قالت “لجنة أهالي المعتقلين السياسيين” إن “اختطاف” الساعي وتمديد اعتقاله “تصعيد خطير” في استهداف الإعلاميين الذين “يفترض أن يُحمَوا لا أن يُلاحَقوا”.

وأضافت أن الواقعة “تؤكد استمرار نهج الاعتقال السياسي وقمع الحريات وتكميم الأفواه”، محمّلة أجهزة السلطة “المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة” الساعي، وداعية إلى “إفراج فوري وغير مشروط” عنه وعن كل المعتقلين على خلفية الرأي.

ويُعدّ سامي الساعي من الأصوات الصحفية الجريئة، وكان بين أوائل من قدّم “شهادات موثّقة عن التعذيب الجسدي والجنسي” الذي تعرّض له في سجون الاحتلال، وكاد – بحسب مقربين – أن يفقد حياته تحت وطأة الانتهاكات.

والمفارقة القاسية أن الصحفي الذي نجا من بطش السجان الخارجي يجد نفسه اليوم “مطاردًا داخل وطنه” بسبب عمله الصحفي ومواقفه الحرة، في رسالة تُشعِر الصحفيين بأن القلم ذاته قد يكون “جريمة” في قاموس السلطة.

شهادات عن “مسالخ بشرية”

يتواتر من معتقلين سياسيين جرى الإفراج عنهم حديثًا أن بعض مراكز التوقيف التابعة للسلطة “تستخدم أساليب تعذيب وحشية”، وأن الاعتداءات تمتد من الضرب والصعق والحرمان من النوم إلى الإهانات المهينة.

ويصف بعضهم هذه المراكز بأنها “”مسالخ بشرية””، وهي عبارات صادمة تعكس حجم الفجوة بين خطاب السلطة عن “سيادة القانون” وبين واقع غرف التحقيق. ورغم خطورة هذه الشهادات، لا تتوفر مؤشرات على “تحقيقات مستقلة وشفافة” أو محاسبة للمسؤولين عن الانتهاكات.

ويدار الاعتقال السياسي لدى السلطة بمعزل عن “قضاء مستقل ومهني”، مع رواج صيغ “التوقيف الإداري” و”الاستدعاءات المفتوحة” التي تتحول إلى أداة إرهاب ناعم لردع الصحفيين والنشطاء.

الامتناع عن توجيه لائحة اتهام محددة، وتأجيل العرض على المحكمة، ومنع الزيارات القانونية… كلها “ممارسات تقوّض المشروعية” وتنسف أي حديث عن احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” الذي يكفل حرية التعبير ويمنع الاعتقال التعسفي والتعذيب.

وبحسب مراقبين فإن الرسالة الموجهة من السلطة إلى الجسم الصحفي واضحة: “اخرسوا أو تُختطفوا”.

فالتلويح الدائم بالاستدعاء والاحتجاز يخلق “رقابة ذاتية خانقة”، ويدفع الصحفيين إلى تجنّب التغطيات الحساسة أو التحقيقات الاستقصائية خشية “الاختفاء الإداري”.

بهذا المعنى، لا يستهدف القمع فردًا بعينه بقدر ما يستهدف “بيئة العمل الصحفي” برمتها، فيقوّض “حق الجمهور في المعرفة” ويفرغ المجال العام من أي رقابة مستقلة على أداء السلطة.

وتطالب عائلة الساعي ولجنة الأهالي المعتقلين ومنظمات محلية ودولية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الصحفي المعتقل وجميع معتقلي الرأي وفتح تحقيق قضائي مستقل في انتهاكات التعذيب وسوء المعاملة، ونشر نتائجه ومحاسبة المسؤولين.

كما تتصاعد المطالب بضرورة وقف فوري لسياسة الاستدعاءات والاعتقال التعسفي على خلفية التعبير والعمل الصحفي في الضفة الغربية ومواءمة التشريعات والممارسات مع الالتزامات الدولية، وضمان “قضاء مستقل” لا يخضع للإملاءات الأمنية.

ويحذر المراقبون من أن استمرار السلطة الفلسطينية في اعتقال الصحفيين بلا سند قانوني، وتمديد توقيفهم إداريًا، وترك شهادات التعذيب بلا تحقيق ومحاسبة، ليس مجرد “تجاوز” عابر؛ إنه “نسف ممنهج” لأسس أي عقد اجتماعي سليم.

فاعتقال الكلمة الحرة هو اعتداء مباشر على “كرامة الشعب الفلسطيني” قبل أن يكون اعتداءً على فرد. والإفراج عن سامي الساعي اليوم ليس إحسانًا؛ إنه “استحقاق قانوني وأخلاقي”، وخطوة أولى على طريق طويل لاستعادة الحريات، وإعادة الاعتبار للصحافة المحلية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى