معالجات اخبارية

الغارديان: ملف الانسحاب الإسرائيلي من غزة يهدد بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار

أنهت غزة سنتين من الموت والدمار بدخول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكونة من عشرين نقطة حيّز التنفيذ وتقوم على وقف لإطلاق النار، وتدفق أولي للمساعدات، وتبادل متدرج للأسرى، وتحرك إسرائيلي في المرحلة الأولى من الانسحاب مع إعادة انتشار على طول منطقة عازلة بمحاذاة حدود القطاع.

لكن صحيفة “الغارديان” البريطانية، تحذر من أن “ملف الانسحاب” الإسرائيلي في قطاع غزة قد يصبح فجوةً قاتلة في بنية الاتفاق كله، إذا لم تُحسم وتيرته ونطاقه وآليات ضبطه.

وفق الخطة، تبقى قوات الجيش الإسرائيلي مبدئيا في أكثر من نصف مساحة القطاع، بما في ذلك سيطرة على “ممر فيلادلفيا” الملاصق للحدود المصرية—وهو ما تصر حركة حماس وفصائل المقاومة على إنهائه سريعًا.

ومن المفترض أن تتقلص البصمة العسكرية الإسرائيلية تدريجيا إلى 40% ثم 15%، غير أن الوثيقة لا تُحدد جداول زمنية تفصيلية لهذه المراحل، ولا الجهات الضامنة لتنفيذها، ولا أدوات التحكيم عند النزاع. هذا الغموض، تقول الصحيفة، يجعل الخلاف حول السرعة والمساحة “أقرب تهديد مباشر” لاستدامة الهدنة.

فحين بلغ اتفاق 15 يناير/كانون الثاني الماضي مرحلة التفاوض على جدول الانسحاب، انسحبت دولة الاحتلال عمليا منه قبل استكمال ملف تبادل الأسرى، ولم تُقْدِم واشنطن على إجراء مُلزم، بل تزامن ذلك مع قيودٍ قاسية على إدخال المساعدات.

كما تجاهلت حكومة بنيامين نتنياهو دعوة ترامب هذا الشهر لوقف القصف بعد تلقيه ردا إيجابيا من حماس بشأن الانخراط السياسي؛ ومع ذلك تواصلت الضربات على مدينة غزة وسقط عشرات المدنيين في يوم واحد.

وتضعف هذه السوابق الثقة لدى حماس وفصائل المقاومة بأن البيت الأبيض سيفرض على الحكومة الإسرائيلية مواعيد انسحاب واضحة من قطاع غزة.

اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

تبرز صحيفة الغارديان أن نص الخطة يحظر الاحتلال أو الضم، لكنه لا يمنع عمليا “وجودًا عسكريًا مفتوح الأجل” تحت ذريعة “المؤقت” واشتراطات نزع السلاح.

ومع غياب منظومة متينة للمراقبة والتحقق، يمكن لأي طرف أن يحتج على الطرف الآخر بتهمة عدم الالتزام: كيف سيُثبت الإسرائيليون تعثر تفكيك الأنفاق ومصانع السلاح؟ ومن يبت في دفوع حماس؟ ومن يمتلك صلاحية الحكم والتنفيذ عند التعارض؟ الأسئلة مفتوحة، والفراغ الإجرائي يمنح الطرف الأقوى ميدانيًّا مساحة واسعة للمناورة.

على الضفّة المقابلة، تبدو حسابات حماس محكومة بهاجس “الفراغ الأمني”، فالحركة ترى أن تسليم السلاح بلا ضماناتٍ قاطعة لانسحاب كامل وإطارِ أمن بديل يعرضها، ومعها المدنيين، لواقع تُمدّد فيه دولة الاحتلال مناطق “المنع” وتعمّق المنطقة العازلة داخل غزة.

وكان من اللافتٌ أن بيان قبول الحركة للهدنة تجنّب الخوض في تفاصيل نزع السلاح، فيما قال مسؤول بارز إن “مطلب تسليم السلاح غير قابل للتفاوض”، ما يكشف هشاشة التفاهم على هذه العقدة.

وتبرز معضلة ثانية هي قوة الاستقرار الدولية (ISF) المزمعة لتولّي الأمن في المناطق التي تنسحب منها دولة الاحتلال.

فالخطة لا تحدّد حجم القوة، ولا قواعد اشتباكها، ولا علاقتها بالفاعلين المحليين، ولا كيفية احتواء صدامات محتملة بين المقاومة والقوات الإسرائيلية على خطوط التماس.

وحتى الآن أبدت بعض الدول اهتمامًا عامًّا، لكن لم يصدر التزامٌ واضح بإرسال جنود، في ظلّ مخاطرة الانجرار إلى ساحة قد تعود فيها دولة الاحتلال إلى التدخل عند أي توتر بدعوى “حماية أمنها”.

يضاف إلى ذلك أن المعادلة السياسية داخل دولة الاحتلال تزيد الغموض. فقد صرّح السفير يحيئيل ليتر بأن بقاء الجيش “سيستمر حتى نزع سلاح حماس بالكامل”، فيما لوّح نتنياهو باستئناف الحرب إذا لم يتحقق ذلك—من دون تعهّد بانسحاب كامل حتى عند تحقق الشروط.

وبالنسبة لحماس، هذا خطاب يُترجم إلى زمن تفاوضي غير محدد يمكن أن يبتلع الهدنة ويحوّلها إلى إدارة هدنةٍ دائمة لا سلامًا متفاوضًا عليه.

وإذا تعثّر ملف الانسحاب، تحذر الغارديان، فسيتداعى ما بعده عبر المزيد من العراقيل لإدخال المساعدات، وصعوبات في نشر قوة حفظ السلام، وفراغٌ إداري يُجهض ترتيبات الحوكمة الانتقالية، وتعطيلٌ لأعمال الإعمار.  أما الأخطر فهو الانزلاق إلى دوّامة الخروقات الإسرائيلية التي خبرها القطاع مرارًا، فتنهار الثقة وتعود الحرب إلى الواجهة.

وخلصت الصحيفة إلى أن اتفاق وقف إطلاق النار ليس محكومًا بالفشل سلفًا، لكنه قائم على “أسس تفاوضية رخوة” بجداول غامضة، وآليات تحقق ضعيفة، وضمانات تنفيذ غير واضحة. وما لم تُسدّ هذه الفجوات سريعًا بإطار زمني ملزم، وآلية مراقبة مستقلة، وإسناد سياسي متماسك من الوسطاء سيظل “ملف الانسحاب” فتحة هواء تُهدد بأن تُطفئ شعلة الهدنة وتعيد غزة إلى ميدان الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى