“العربية” تكثف حملتها التحريضية على المقاومة في غزة بسردية منحازة تُمجد العملاء

صعدت قناة “العربية” المموّلة سعوديًا خطابها الإعلامي ضد المقاومة الفلسطينية بالتركيز على حملة الأجهزة الأمنية والمقاومة في القطاع لضبط “العصابات المسلحة” وملاحقة “شبكات العمالة”، لتقديم روايةٍ معكوسة تُجرّم فعل المقاومة وتُبرّئ المتعاونين، وتزرع الشكّ في أي حضور للمقاومة داخل غزة.
وبحسب مراقبين لا يأتي هذا التحريض بمعزل عن سياقٍ أوسع يتمثل في محاولة “نزع الشرعية الشعبية” عن قوى المقاومة التي واجهت حرب الإبادة الإسرائيلية لعامين، وتحويل إجراءات أمنية موضعية إلى ذريعة لمهاجمة “جوهر” المقاومة وحاضنتها الاجتماعية.
وأبرز أدوات “العربية” تتمثل ب”التأطير اللغوي” المنحاز باستخدام مفردات “الإعدامات” و”الغضب الواسع” و”الفوضى” مع “تغييبٍ منهجي” لخلفيات الملف الأمني في غزة: انهيار البنية المؤسسية بفعل القصف، تسلل عصابات السطو، تنامي الجريمة المنظمة، ووجود “شبكات تجسّس” استهدفت الصفّ الداخلي زمن الحرب.
وبدلاً من تفكيك هذه الخلفيات، تُحوِّل “العربية” الحالة إلى سردية أحادية: “المقاومة = سلطة قمعية”، و”العملاء/العصابات = ضحايا”.
قناة العربية ويكيبيديا
روّجت القناة لمقولة وجود “استياء فلسطيني واسع” من “الإعدامات”، مستشهدةً ببيانٍ رسمي وحيد وإشارات ضبابية على شبكات التواصل، بينما “تجاهلت الإجماع الوطني” الذي ظهر في بيانات القوى والفصائل وشخصيات اجتماعية وازنة داعمة لحملة التطهير الأمني ضد المتورطين بالعنف والعمالة.
ومعيار “الواسع” في عرف “العربية” لم يُرفَق بأي قياسات مستقلة، ولم يُقابَل بتقديم الصورة المقابلة من الميدان: لجان عشائرية، وجهاء أحياء، ومؤسسات مجتمع مدني تؤكد أهمية “فرض النظام العام” بعد عامين من الخراب.
وفي برنامج “خارج الصندوق”، استضافت “العربية” عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” اللواء “عبدالله كميل”، لتكثيف “شيطنة المقاومة” وتكرار سردية أن “الحملة لا تستوفي المعايير القانونية”.
وجاءت الاستضافة بأحادية الصوت بحيث لم تُقدَّم مرافعة قانونية مهنية مقابلة من خبراء عدليين يعملون في ظروف الطوارئ، ولم يُعرض سياق “الفراغ القضائي” الناتج عن تدمير البنية المؤسسية في القطاع. هكذا تتحول الشاشة إلى منصة “اتهامات جزافية” بلا تمحيص ولا حقّ رد مكافئ.
وتُسوِّق القناة معيارًا قانونيًا مُجرّدًا، كأنه يعمل في “فراغٍ مؤسسي مثالي”: مؤسسات قضائية كاملة، سجون مؤهلة، منظومات أدلة متكاملة—وهو ما دمّرته إسرائيل عمدًا.
في هذا الواقع الاستثنائي، تُدار إجراءات الضبط وفق “ضرورات أمنية عاجلة”، مع محاولات لإسنادها بضوابط محلية (لجان ميدانية، تحقيقات أولية، إشراك وجهاء) ريثما تُستعاد القدرة المؤسسية.
وبدلاً من الاعتراف بهذا الواقع، تتعمد “العربية” “مقارنةً مضلّلة” بين “النموذج المُثالي” و”واقع الحرب”، لتصل مسبقًا إلى إدانة المقاومة.
فضلا عن ذلك توظف قناة العربية “حالات فردية” أو لقطات مقتطعة لتعميمها بوصفها “القاعدة”، فيما تُهمِّش المعطيات الأوسع:
تفكيك “أكثر من 50 بؤرة إجرامية” خلال أسابيع، وضبط أسلحة ومسروقات.
“تسليم عشرات المطلوبين أنفسهم” ضمن مبادرة عفو مشروطة، وعودة ملحوظة للانضباط في أحياء نزحت عنها الشرطة شهورًا.
طلبات ميدانية متكررة من الأهالي لتكثيف الدوريات، وحماية المراكز الإغاثية من النهب.
هذه الصورة لا تجد طريقها إلى شاشة “العربية” إلا بوصفها “ادعاءات المقاومة”، في إنكارٍ لمبدأ “التوازن المهني”.
تشكيك بالشرعية الشعبية
بحسب مراقبين فإن ما تسعى إليه قناة العربية لا يقتصر على “نقد أداء” بل “نزع الغطاء الشعبي” عن أي فعل مقاوم، وإعادة تعريف “الأمن” على أنه “نزع سلاح المقاومة” لا “نزع سلاح العصابات”.
في هذا الإطار، تُستغل أخطاء وتجاوزات—إن وُجدت—لتصوير “المشروع التحرري كله” كجريمة منظمة، فيما تُمنح “شبكات العمالة” رداء “الضحايا” في انقلاب سردي مكتمل الأركان.
وعليه فإن ما تبثّه “العربية” ليس “نقدًا” بقدر ما هو “هندسة رأي” تستهدف شرعية المقاومة وحاضنتها، عبر قلب الأدوار بين “المجرم” و”المجتمع”.
وفي غزة الخارجة من أتون الإبادة، يصبح “الحق في الأمن” جزءًا من “الحق في الحياة”؛ من يتجاهل هذه الحقيقة، ويستثمر آلام الناس لتبييض صورة “العملاء والعصابات”، لا يمارس صحافة—بل “تحريضًا سياسيًا” بامتياز.