تحليلات واراء

أولويات السلطة الحكم والامتيازات مهما بلغت التنازلات للاحتلال وواشنطن

أثبتت السلطة الفلسطينية مجددا بمسارعتها على تأييد قرار مجلس الأمن الدولي بشأن فرض وصاية أجنبية على قطاع غزة أن أولوياتها تقوم على الحكم والامتيازات مهما بلغت التنازلات للاحتلال الإسرائيلي وواشنطن.

وقد استبعد قرار مجلس الأمن الأخير أي دور فلسطيني في إدارة غزة مع الاقتصار على الإشارة إلى دور محتمل لسلطة رام الله حال استكمالها سلسلة مطالب إسرائيلية تحت غطاء الإصلاح المزعوم في إدارتها وسياساتها.

ويبرز الباحث السياسي أمير مخول أن الإصلاحات التي تُطالب بها السلطة أو يُشترط عليها تنفيذها ليست مجرد متطلبات إدارية أو تقنية، بل هي اشتراطات سياسية تحمل أبعادًا استعمارية، تهدف إلى إعادة هندسة الثقافة والوعي الجمعي الفلسطيني بما يتوافق مع مصالح الاحتلال ويُبعد الأجيال الجديدة عن ذاكرة النكبة وتجارب المقاومة.

ويشير مخول بوضوح إلى أن هذه “الإصلاحات” تهدف إلى خلق جيل منسجم مع الرواية الإسرائيلية ومنفصل عن جذور الهوية الوطنية الفلسطينية، وهو ما يجعلها أدوات لإعادة تشكيل الفكر العام للشعب الفلسطيني بما يضمن استمرارية السيطرة والهيمنة على القضية الفلسطينية.

فالسلطة، وفق مخول، تظهر استعدادًا للتأقلم مع هذا النموذج لتصبح “سلطة دولة” أكثر من كونها سلطة تحرر وطني، ما يثير علامات استفهام حول أولوياتها الحقيقية وتوجهاتها المستقبلية.

وينعكس التوجه المذكور في موقف السلطة من القرارات الدولية، كما يوضح الناشط عمر عساف. فقد أيدت السلطة الفلسطينية قرار مجلس الأمن بشأن قطاع غزة، رغم أن هذا القرار لا يلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما يعكس المسار البائس الذي تسير فيه منذ سنوات.

السلطة الفلسطينية ويكيبيديا

يشير عساف إلى أن مواقف سلطة رام الله ليست سوى محاولة لنيل رضا الإدارة الأمريكية، على أمل أن تمنح السلطة دورًا محدودًا في قطاع غزة أو تستعيد بعض السيطرة فيه، وهو أمر يشكك في جدواه ويعكس الفشل في تحقيق أي مكاسب حقيقية للشعب الفلسطيني.

وتبرز تجليات هذه السياسات في المساعي التي تقوم بها السلطة لتغيير المناهج الدراسية، بهدف خلق جيل يتبنى رواية الاحتلال، وهو ما يمثل استهدافًا مباشرًا للذاكرة التاريخية ولثقافة المقاومة.

ويؤكد مخول أن مثل هذه السياسات لا تسهم في بناء مستقبل فلسطين، إذ أن الاعتماد على شروط الغرب، أو على الوصاية الدولية، لا يمكن أن يحقق الاستقلال الوطني، بل يكرس التبعية ويضعف القدرة الفلسطينية على صياغة استراتيجياتها السياسية بشكل مستقل.

ويشدد على أن البعد العربي والحاضنة الإقليمية يمثلان المصدر الأهم للقوة الفلسطينية، خاصة في ظل تصاعد الحراك الدولي الذي وضع إسرائيل في عزلة متزايدة.

ومن هذا المنطلق، يرى مخول أنه يجب أن تكون أي مشاريع لإعادة الإعمار أو التمويل تحت قيادة عربية واضحة، لضمان الاستقلال الوطني وحماية الحقوق الفلسطينية من أي وصاية دولية مرفوضة.

ويتناقض ذلك مع سياسات السلطة الحالية، التي تظهر مرونة مريبة تجاه الشروط الغربية والأمريكية على حساب مصالح الشعب الفلسطيني.

علاوة على ذلك، يشير عساف إلى أن السلطة غير موثوقة في نظر المجتمع الدولي أو الشعب الفلسطيني، فهي متهمة بالفساد والتبعية للاحتلال، إضافة إلى أنها غير منتخبة ديمقراطيًا ولا تمثل إرادة الشعب.

لذلك، يرى عساف أن تجاوز حالة السلطة الراهنة يتطلب توحيد قوى المقاومة والتغيير في الشارع الفلسطيني، إضافة إلى العودة إلى صندوق الاقتراع لاختيار قيادة جديدة تعكس تطلعات الشعب وتدافع عن حقوقه الوطنية بشكل حقيقي وفعال.

ويؤكد ذلك أن السلطة وضعت نفسها في خانة الحاكم المستفيد من الامتيازات، بينما تتنازل عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني مقابل الحصول على رضا الاحتلال وواشنطن.

فالمسار الحالي لا يعكس إلا مصالح السلطة الذاتية على حساب مصلحة الأمة، ويجعل من القضية الفلسطينية رهينة للسياسات الدولية، بعيدًا عن إرادة الشعب الفلسطيني الحقيقية ومقاومته المشروعة وهو ما يهدد المشروع الوطني الفلسطيني ويضعف آفاق التحرر والاستقلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى