تحليلات واراء

جسور نيوز.. ذراع إعلامي يلمع المليشيات العميلة رغم الرفض الشعبي

تصرّ منصة جسور نيوز المموّلة إماراتيًا على لعب دور يتجاوز حدود “التغطية الصحفية” ليصل إلى مستوى التسويق السياسي الممنهج بتلميع الميلشيات العميلة والمرتبطة بالاحتلال لخلق الفوضى وضرب وحدة المجتمع في واحدة من أكثر اللحظات التاريخية حساسية.

فمنذ ظهور مجموعات “أبو شباب”، عملت المنصة على تقديم هذه المليشيات بحلّة “قوات شعبية” أو “تيار شبابي معارض”، في محاولة لفرض سردية موازية لسردية الغزيين أنفسهم، الذين عبّروا بوضوح ـــ عبر المواقف الشعبية المباشرة ـــ عن احتقارهم لهذه المجموعات ونبذهم لها باعتبارها أدوات تهدف لإرباك الداخل وتبرير تدخلات خارجية.

اللافت أنّ هذه المنصة، التي سبق أن نسّقت مقابلات حصرية مع قائد المليشيات السابق المدعو ياسر أبو شباب، انتقلت اليوم إلى مرحلة جديدة بعد مقتله، وهي مرحلة إعادة إنتاج القائد الجديد المدعو غسان الدهيني ومحاولة تسويقه كـ“شخصية مقبولة” داخل غزة.

وهنا تتكشف بوضوح آلية صناعة الرموز لدى المنصات المرتبطة بالتمويل السياسي: تقديم وجه جديد، تضخيم حضوره، خلق انطباع مصطنع عن “شعبيته”، ثم محاولة تمرير فكرة أن المجتمع الغزي يعيش انقسامًا حقيقيًا يعكس وجود قاعدة مؤيدة لهذه المجموعات.

غير أن الواقع في غزة يقدّم الصورة المعاكسة تمامًا، حيث المشهد الشعبي الذي أعقب مقتل قائد تلك المجموعة السابقة كان واضحًا، بخروج الأهالي في الشوارع يحتفلون، معتبرين أن مقتله يشكّل نهاية صفحة سوداء حاولت العبث بالنسيج الداخلي.

وشكلت هذه الفرحة الجماعية تعبيرًا صريحًا عن الموقف الاجتماعي من هذه المليشيات العميلة، وهو موقف لم ترغب منصة “جسور” في الاعتراف به أو حتى الإشارة إليه.

جسور نيوز ويكيبيديا

يؤكد مراقبون أن ما تقوم به المنصة لا يمكن عزله عن الاستراتيجية الإعلامية الأوسع لبعض الجهات الإقليمية التي تستثمر في خلق “أجسام موازية” داخل غزة بحجة مواجهة المقاومة، بينما الهدف الحقيقي هو هندسة واقع سياسي واجتماعي جديد يخدم مشاريع تتجاوز مصلحة سكان القطاع.

ومن الواضح أن “جسور نيوز” تلعب هنا دور الناطق الإعلامي لهذا التوجّه، عبر إعادة تدوير خطاب الاحتلال نفسه ولكن بصياغة عربية مموّهة.

فالمنصة لا تكتفي بالتغطية، بل تمارس عملية تبييض كامل لصورة هذه العصابات العميلة، وتستخدم خطابًا يوحي بأن هناك “قوة بديلة” تمثل شريحة واسعة من الشباب، في تجاهل كامل للبيئة الاجتماعية والسياسية لغزة.

والأخطر من ذلك أنّ المنصة تتبنّى ما يمكن تسميته بـ“التطبيع السردي”، أي تقديم عناصر هذه المجموعات كقادة محليين طبيعيين، واعتبار تحركاتهم جزءًا من الحياة العامة، بما يساهم تدريجيًا في خلق قبول نفسي وذهني لدى الجمهور العربي تجاه فكرة المليشيات العميلة للاحتلال.

من الضروري التذكير بأن هذه المجموعات لا تحظى بأي قبول اجتماعي داخل غزة، ليس فقط بسبب ارتباطاتها الأمنية، بل لأنها تُستخدم لتبرير عمليات قمع أو تدخلات خارجية أو خلق بؤر اضطراب، وهي سلوكيات لا تجد صدى داخل مجتمعٍ دفع أثمانًا هائلة للحفاظ على وحدته في وجه التفتيت.

ويشدد المراقبون على أن محاولات المنصة تصوير القائد الجديد لهذه المليشيات كشخصية “ذات شعبية” هو مجرد هروب إلى الأمام بعد فشل الرواية السابقة، ومحاولة لإعادة بناء المشروع من نقطة الصفر.

لكن المأزق الحقيقي لهذه التغطية أنها تتجاهل أن المجتمع الغزي أصبح أكثر وعيًا من أي وقت مضى بمحاولات فرض سرديات مصنّعة من الخارج، وأن هذا الوعي يظهر يوميًا من خلال ردود الفعل، والتعليقات الشعبية، وحتى الرفض القاطع لكل ما يمسّ الأمن الاجتماعي الداخلي.

وإن استمرار هذه المنصة في تلميع المليشيات العميلة داخل غزة يعكس انفصالًا تامًا عن نبض المجتمع الغزّي، وإصرارًا على لعب دور خطير في مرحلة حرجة، حيث يُراد للقطاع أن ينشغل بصراعات داخلية بديلة عن مواجهة الاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى