تحليلات واراء

عباس فوق القانون.. انتهاك صارخ للقانون الأساسي بإلغاء حقوق الأسرى والشهداء

يشكل إقدام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على قطع رواتب الأسرى والمحررين وأسر الشهداء انتهاكا صارخا منهجيا للقانون الأساسي الفلسطيني، وتكريس لحكم الفرد على حساب الدستور والحقوق الوطنية.

ففي 25 يناير/كانون الثاني 2025، أصدر عباس قرارًا بقانون ألغى بموجبه منظومة القوانين والأنظمة التي تنظم صرف رواتب الأسرى وأسر الشهداء.

وشكل ذلك إلغاء كامل لحقوق مقرّة بقوانين سابقة أُقرت وفق إجراءات دستورية سليمة.

والأخطر أن القرار دخل حيّز التنفيذ فور صدوره، أي قبل نشره في الجريدة الرسمية بأسبوعين، في سابقة تضرب مبدأ العلنية القانونية، وتكشف مدى الاستهتار بقواعد التشريع الأساسية.

هنا تبدأ المخالفة الأولى الصريحة للقانون الأساسي الفلسطيني. فالأصل أن القرارات بقوانين تُتخذ في حالات الضرورة القصوى، وفي غياب المجلس التشريعي، على أن تكون منسجمة مع أحكام القانون الأساسي، لا مناقضة لها.

محمود عباس ويكيبيديا

ما فعله عباس هو العكس تمامًا بحيث استخدم صلاحية استثنائية لإلغاء حقوق جوهرية، تمس فئة محمية وذات وضع قانوني خاص، هم الأسرى والشهداء، الذين كرّست القوانين الفلسطينية مكانتهم وحقوقهم بوصفهم جزءًا من النضال الوطني، لا “حالات اجتماعية” تخضع لمعايير الفقر والاحتياج.

ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة لا تعفي مؤسسة تمكين ووزارة المالية أو غيرهم من مسؤوليتهم في إنفاذ حقوق الأسرى وأسر الشهداء، عبر استخدام صلاحياتهم القانونية في استبعاد تطبيق نصوص القوانين التي تتعارض مع القانون الأساسي وقوانين الأسرى التي صدرت وفق الاجراءات القانونية الصحيحة، ولا يعتبر ذلك إن فعلوه خروجاً منهم على أحكام القانون يرتب المسؤولية، بل إعمالاً لواجبهم القانوني في احترام مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان.

كما أن القانون الأساسي لا يفرض الطاعة العمياء، بل يفرض احترام مبدأ سيادة القانون، ويمنح الجهات التنفيذية صلاحية – بل واجب – الامتناع عن تطبيق النصوص التي تتعارض مع الدستور وحقوق الإنسان.

بمعنى أوضح: امتناع مؤسسة تمكين أو وزارة المالية عن تنفيذ قرار ينتهك القانون الأساسي ليس خروجًا على القانون، بل تطبيقًا له، أما الاستمرار في التنفيذ، فهو اشتراك مباشر في الانتهاك، مهما كانت الذرائع الإدارية أو السياسية.

عبث تشكيل مؤسسة تمكين

يتجلى الوجه الأكثر فجاجة في هذه القضية، في الطريقة التي جرى فيها العبث بمؤسسة “تمكين” نفسها.

فالمؤسسة أُنشئت بقرار بقانون صدر في يناير 2019، ونص صراحة على أن رئيس مجلس إدارتها هو وزير التنمية الاجتماعية بحكم منصبه. حينها، كان أحمد مجدلاني يشغل هذه الحقيبة.

لكن بعد استقالة حكومة محمد اشتية وتشكيل حكومة محمد مصطفى في ربيع 2024، أُسندت وزارة التنمية الاجتماعية إلى سماح حمد، ما يعني – قانونًا – أنها أصبحت رئيسة مجلس إدارة “تمكين” تلقائيًا.

إلا أن عباس لم يقبل بهذه النتيجة القانونية. فبدل احترام نص القانون، بادر إلى تعديله، مانحًا نفسه صلاحية تعيين رئيس مجلس إدارة المؤسسة “من الشخصيات التي يختارها”.

وبعد هذا التعديل بفترة قصيرة، وفي يوم أداء حكومة محمد مصطفى اليمين القانونية، أصدر قرارًا بتعيين أحمد مجدلاني نفسه رئيسًا لمجلس إدارة “تمكين” في نموذج آخر صارخ على تفصيل القوانين على مقاس الأشخاص.

فالقانون يُعدَّل، لا لتحقيق المصلحة العامة، بل لإعادة تدوير الوجوه نفسها، وضمان السيطرة المطلقة على مؤسسة باتت أداة مركزية في تنفيذ قرار قطع الرواتب، والحديث هنا، عن إفراغ كامل لمبدأ الفصل بين السلطات، وتحويل التشريع إلى أداة شخصية بيد الرئيس.

في المحصلة، ما يجري في ملف رواتب الأسرى وأسر الشهداء يكشف أزمة أعمق من البعد المالي تتعلق بأزمة نظام سياسي فقد أي التزام حقيقي بالقانون الأساسي، ويستخدم “الشرعية” غطاءً لتصفية حقوق وطنية، تحت ضغط خارجي واضح، وبأدوات داخلية مطيعة.

وقرار عباس لم ينتهك فقط نصوص الدستور، بل ضرب المعنى السياسي والأخلاقي لفكرة السلطة نفسها باعتبارها سلطة وُجدت لخدمة الشعب وقضيته، لا لإدارة حقوقه بمنطق الاستحقاق الاجتماعي ولا لإعادة تعريف الشهداء والأسرى بلغة التقارير المالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى