تحليلات واراء

تجار الحروب.. عزات عقل يكسب الملايين على حساب تجويع غزة

بينما يعاني أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة من المجاعة والقصف اليومي والحصار الخانق، ظهرت على السطح طبقة من “تجار الحروب” الذين راكموا ثروات طائلة مستغلين فوضى الدمار والجوع، وعلى رأس هؤلاء عزات أحمد محمد عقل، الذي أصبح مثالًا صارخًا لتغوّل رأس المال الانتهازي على حساب كرامة الناس ولقمة عيشهم.

ولد عزات عقل المعروف باسم “عزو عقل”، عام 1956، وينحدر من سكان جباليا شمال قطاع غزة، لكنه يعيش حاليًا في القاهرة، حيث يدير من هناك شبكات تجارية واسعة، تشمل شركات للنقل والتجارة العامة وبيع التبغ.

لكن خلف هذه الأنشطة الرسمية، تكشف مصادر متقاطعة عن تورط عقل في تهريب ممنهج للمواد المحظورة، بما في ذلك السجائر، المعسل، وأقراص مخدرة، عبر المعابر التي تربط القطاع بالأراضي المحتلة أو بجمهورية مصر العربية.

حرب إبادة… وطبقة ثرية تنتعش

منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، يعيش القطاع واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه، مع تدمير شبه كامل للبنية التحتية، وانهيار القطاع الصحي، وندرة غير مسبوقة في المواد الغذائية والدوائية.

وسط هذا المشهد، بات الناس في قطاع غزة يقفون في طوابير لساعات من أجل الحصول على كيس طحين أو علبة حليب، بينما يواجه الأطفال خطر الموت جوعًا.

لكن في الوقت الذي يُحرم فيه الغزيّون من أبسط مقومات الحياة، تظهر طبقة من رجال المال المنتفعين من الحرب، الذين يحوّلون الحصار والمجاعة إلى مصدر ربح.

ويُعتبر عزو عقل نموذجًا لهذه الفئة؛ إذ تُظهر تقارير محلية وتحقيقات استقصائية أنه جنَى ملايين الدولارات خلال السنوات الأخيرة من خلال السيطرة على سوق التبغ وتهريب السلع بأسعار مضاعفة.

ويشير ناشطون حقوقيون إلى أن هذا الثراء لا يأتي من عبقرية تجارية، بل من الاحتكار والتواطؤ، واستغلال حاجة الناس، والاعتماد على النفوذ والعلاقات لتجاوز القوانين والمعابر، بما في ذلك عبر التنسيق مع أطراف نافذة في الجانب المصري والإسرائيلي على حد سواء.

تجارة التبغ والمخدرات… من الفوضى إلى الملايين

في وقت يعيش فيه سكان غزة بلا غذاء ولا دواء، شهدت أسواق القطاع في الأشهر الأخيرة تدفقًا محدودًا ولكن ملحوظًا لأنواع معينة من السجائر والمعسل، تباع بأسعار خيالية تصل إلى 10 أضعاف سعرها الحقيقي.

وتؤكد مصادر مطلعة أن جزءًا كبيرًا من هذه البضائع يدخل عبر شبكات تهريب يديرها عزو عقل وأمثاله، باستخدام معابر جانبية أو بترتيبات خاصة.

الأخطر من ذلك أن تحقيقات أمنية سابقة تحدثت عن تورط عزات عقل في تهريب أقراص مخدرة من نوع “ترامادول” و”ريمالجين” وغيرها من المسكنات الثقيلة التي تُستخدم بشكل مفرط في أوساط الشباب كبديل عن العلاج النفسي الغائب أصلًا في غزة.

هذه التجارة لا تدر أرباحًا هائلة فقط، بل تُساهم في تدمير النسيج المجتمعي والصحي لشباب يعانون من الحرب، والبطالة، وانعدام الأمل.

بين القاهرة وغزة… شبكة تحكم بلا وجه

ينشط عزات عقل في مصر منذ سنوات، ويُعرف في أوساط رجال الأعمال هناك بأنه “تاجر بلا قضية”، لا يتحدث في السياسة ولا يظهر في الإعلام، بل يفضل العمل من وراء الكواليس.

ويؤكد مقربون منه أنه يستخدم إقامات استثمارية في القاهرة، وينسّق مع وسطاء محليين في شمال سيناء لإدخال البضائع إلى غزة، بما في ذلك دفع رشاوي مباشرة تُدفع لتمرير الشحنات عبر المعابر والتنسيق مع ضباط في جيش الاحتلال.

وفي المقابل، تدار عملياته داخل القطاع عبر وكلاء محليين وشركات واجهة، تتولى توزيع السلع واحتكارها في الأسواق. ويصعب على السلطات المحلية تتبع أنشطته بشكل مباشر نظرًا لأنه لا يظهر فعليًا في غزة، لكنه يواصل التحكم بالسوق عن بُعد.

عزو عقل ليس وحده

لا يمثل عزو عقل حالة فردية، بل هو جزء من شبكة أوسع من “تجار الحصار” الذين استفادوا من عقود طويلة من الانقسام والمعاناة. ففي بيئة تنهار فيها المؤسسات ويُضرب فيها الاقتصاد، يصبح التهريب والسيطرة على المواد الأساسية سوقًا سوداء مربحة.

وتشير تقارير اقتصادية إلى أن حجم التجارة غير الرسمية في غزة تجاوز نصف مليار دولار سنويًا قبل الحرب، وقد تضاعف مع تصاعد الحصار والقصف.

وتبقى المشكلة الأخطر أن هؤلاء التجار لا يُحاسَبون، بل يزدادون نفوذًا. إذ توفر لهم الثغرات القانونية والانقسام السياسي بيئة خصبة لتوسيع أعمالهم، بينما يتحدث الإعلام فقط عن “المأساة الإنسانية”، متجاهلًا تمامًا من يستغل هذه المأساة ويحوّلها إلى فرص استثمارية قذرة.

بين المسؤولية والسكوت

يحمّل عدد من الحقوقيين والنشطاء المنظمات الدولية مسؤولية الصمت عن هذه الطبقة التي تنمو في الظل، ويرون أن الحديث عن المساعدات الإنسانية يجب أن يُرفق بكشف الشبكات التي تُفسد الاقتصاد المقاوم، وتقتل العدالة من الداخل.

كما يدعون إلى فتح تحقيقات جدية حول شبكات التهريب والمستفيدين من الحصار، سواء في داخل غزة أو في الدول المجاورة.

إذ في وقت يُذبح فيه الأطفال في غزة جوعًا، ويُدفن فيه المرضى تحت الركام، تواصل فئة محدودة من تجار الأزمات تضخيم ثرواتها. ويقف عزات عقل على رأس هؤلاء، رجل لم يُعرف بنضال، ولا التزم بمبدأ، لكنه أصبح “ثريًّا في زمن المجاعة”، على حساب كرامة شعب بأكمله.

عزات عقل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى