الذباب الإلكتروني الإماراتي: تحريض مفضوح على المقاومة خدمة للاحتلال

في زمن الحروب الرقمية، تحولت الحسابات الوهمية والجيش الإلكتروني إلى أسلحة متفجرة لا تقلّ خطراً عن الذخيرة الحقيقية.
وفي الحالة الفلسطينية، تكشف الأدلة أن دولة الإمارات العربية المتحدة جندت خلال سنوات آلاف الحسابات الإلكترونية التي تعمل كذباب إلكتروني منظّم، مهمتها الأساسية تشويه صورة المقاومة الفلسطينية، إذ تُسوّق روايات تتماهى مع أجندة الاحتلال وتغذي حملات التضليل والتبرير لجرائم الحرب.
وما يميّز هذا الذباب الإلكتروني هو طابعه المؤسسي: حسابات تنشأ دفعة واحدة خلال أوقات التصعيد، تُزوَّد بمحتوى منسق، وتُدعم بشبكات مشاركة وإعادة تغريد تلقائية (bots) وحسابات مؤثرة مزيفة (sockpuppets).
الهدف لا يقتصر على النقاش العام فقط، بل يمتد إلى دفع سردية مفادها أن المقاومة “إرهاب” و”تدمير” و”عقبة أمام الإعمار”، فيما تُبرز “الجهود الإنسانية” لدول الخليج وكأنها بديل وحيد للحقوق والكرامة. هذه الاستراتيجية لا تحرّكها رغبة في شرح الواقع بقدر ما تقودها رغبة في تغيير الإدراك العام الدولي وتحويل الضحية إلى متهم.
وتستهدف حملات التشهير قيادات المقاومة، الناشطين، والمؤسسات الإعلامية المستقلة، مستخدمة سبًّا منظّمًا، اختلاق قصص، وترويج صور ومقاطع مفبركة.
نموذج واضح في هذا السياق هو الحساب الذي انتشر خلال الحرب باسم “هدى القاسم” — حساب زُعم أنه محلي، لكنه استخدم صورة مسروقة من الإنترنت لتبدو أكثر مصداقية.
وتتضمن وظائف مثل هذه الحسابات متعددة: تشويه السمعة، تضخيم الأخطاء أو الخسائر، التشكيك بمشروعية المقاومة، والترويج لمشاهد “الخير الإماراتي” كمُعيل وحيد، وبذلك تُحوّل المساعدات إلى مادة دعائية تشرعن العلاقة مع الاحتلال.
النتيجة المباشرة: تآكل التضامن الدولي، وتبرير الانتهاكات، وخلق بيئة معلوماتية تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب، فتضع المتلقي العادي أمام أحكام مسبقة تُستخدم لاحقًا كغطاء سياسي ودبلوماسي. كما يُسهم هذا الذباب في إقصاء الأصوات المستقلة عبر حملات تحريضية قد تصل إلى التهديد والابتزاز الرقمي، ما يخلق مناخًا رادعًا للصحفيين والنشطاء.
شبكة أفيخاي ويكيبيديا
يبرز مختصون أن نجاح هذه الحملات لم يأتِ من فراغ؛ فالذباب الإلكتروني يستغل قوانين الخوارزميات: تضخيم التفاعل الوهمي لرفع المحتوى في الخلاصات، استهداف مجموعات معينة برسائل مكثفة، واستخدام الهاشتاغات لاحتلال الفضاء الرقمي.
عندها تصير المنصات، التي يفترض أنها محايدة، معقلاً لتمرير أجندات سياسية منسقة. ولأن كثيرًا من هذه الحسابات تُنشأ وتُدار عبر بنى تحتية تقنية يمكن ربطها بجهات رسمية أو شبه رسمية، يكتسب الأمر بعدًا دولةً-دولة يتجاوز مجرد نشاط مزعج على تويتر أو فيسبوك.
في المقابل هناك خطوات عملية وملحة لمواجهة هذا النزيف المعلوماتي. منصات التواصل تتحمل مسؤولية تقوية آليات التحقق والتوعية بالروابط الممولة من جهات حكومية، وإغلاق الشبكات الآلية المرتبطة بحملات منسقة.
ويؤكد المختصون أن على المجتمع المدني توثيق الأدلة (screenshots، metadata) وبناء قواعد بيانات رقمية يمكن تقديمها للمنصات والمحاكم الدولية. الدول الديمقراطية مطالبة بفرض مساءلات دبلوماسية وشفافية عند ثبوت تدخل حكومي في فضاءات الإعلام الرقمي.
يضاف إلى ذلك أن مواجهة الذباب الإلكتروني ليست فقط تقنية، بل أخلاقية وسياسية. من يقايض السرد الإنساني بمصالح جيوسياسية يخون القيم التي تتشدق بها الدبلوماسية.
فالمطالبة هنا واضحة: ضغط دولي متزايد على أي جهة تستخدم أدوات إلكترونية لتمرير دعايات تحريضية، وتحقيقات مستقلة تكشف عن التمويل والارتباطات، وفرض عقوبات رمزية ودبلوماسية على من يثبت تورطه.
وبالمحصلة فإن الذباب الإلكتروني الإماراتي ليس مجرد ظاهرة رقمية عابرة، بل جزء من منظومة تأثير مدعومة سياسياً توفر شرعية لقمع واحتلال.
وإن ترك المجال الرقمي ساحة مفتوحة أمام هذه الحملات يعني مشاركة فعلية في عملية تشويه، وتفريطًا بالقيم الإنسانية. لذا، ينبغي التحرك الآن — بمنهجية قضائية، تقنية، ومدنية — لقطع الطريق أمام أدوات التحريض، وإعادة الفضاء العام إلى منطق الحقائق والإنسانية.






