تحليلات واراء

تضخيم ظاهرة عصابة أبو شباب: مخطط الاحتلال لتفكيك الجبهة الداخلية في غزة

في مواجهة المقاومة الفلسطينية الصامدة في قطاع غزة، لا تكتفي دولة الاحتلال الإسرائيلي فقط باستخدام القوة العسكرية، بل تشرع في استراتيجية متعددة الأبعاد تهدف إلى زعزعة استقرار الجبهة الداخلية وخلق شرخ داخل النسيج المجتمعي الفلسطيني.

من بين أبرز أدوات هذه الاستراتيجية، تضخيم ظاهرة شخصية صغيرة مثل عصابة “ياسر أبو شباب”، الذي بُرّز في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يبالغ في دوره وتأثيره، لعرض صورة تعكس ضعفًا داخليًا مزعومًا في غزة، والترويج لفكرة أن المقاومة تئن تحت وطأة الخيانات والفساد الداخلي.

ياسر أبو شباب: من مجرم هامشي إلى رأس أزمة داخلية؟

ياسر أبو شباب ليس أكثر من قاطع طريق صغير، متهم بتهريب المخدرات ومطلوب أمني، وقد سبق له أن سُجن في مراكز أمنية محلية ضمن القطاع قبل اندلاع العدوان الإسرائيلي الأخير.

وما عزز من دوره، وفقًا للخطاب الإسرائيلي والإعلامي التابع له، هو تحوله إلى “زعيم عصابة” من نحو مئة عنصر، يعرقلون وصول المساعدات الإنسانية ويشكلون تهديدًا داخليًا لأمن غزة.

في الواقع، ما لا يريد هؤلاء الاعتراف به هو أن “أبو شباب” وعصابته لا يمثلون سوى قلة هامشية من الخارجين عن القانون، ينعدم لديهم أي قبول شعبي أو سياسي حقيقي داخل القطاع، بل هم منبوذون من أبناء مجتمعهم وعائلاتهم الذين برأوهم علنًا.

المقاومة تكشف المستور: خيانة بلا قاعدة شعبية

المقاومة الفلسطينية في غزة لم تكن غائبة عن هذه الظاهرة، بل كانت على العكس تراقب عن كثب هذه العصابة التي ارتضت لنفسها دور اليد القذرة لتنفيذ أجندة الاحتلال.

ففي عملية نوعية، نصبت المقاومة كمينًا لأفراد العصابة في رفح، حيث تبين أنهم كانوا يعملون بشكل مكشوف لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويشاركون في مهام استكشافية لمخابرات الاحتلال تحت غطاء العصابات المحلية، وهو ما كشف زيف الادعاءات حول كونهم “مناضلين” أو “حماة” للمجتمع.

هذه الخيانة التي أقدم عليها أفراد مثل أبو شباب ليست إلا نموذجًا لمشاهد من التمزق الداخلي، لكنها بالتأكيد ليست القاعدة ولا التمثيل الحقيقي لجبهة المقاومة الداخلية، ولا حتى لفصائل العمل الوطني داخل القطاع.

توظيف الإعلام والتطبيع لتشويه الصورة

على وقع تصاعد التطبيع الرسمي بين دولة الاحتلال وعدد من الدول العربية، يتضح كيف تُستخدم هذه الدول التي بادرت بتطبيع العلاقات مع الاحتلال كأذرع سياسية وإعلامية تسعى لتقويض الجبهة الداخلية الفلسطينية.

ودور هذه الدول لا يقتصر على تقديم الدعم السياسي لإسرائيل، بل يتعداه إلى التورط في حملات تضخيم إعلامية تهدف إلى إظهار أن المقاومة الفلسطينية في غزة تعاني من تفكك داخلي حاد.

بخاصة من خلال الترويج لمشاهد مثل نشاطات “عصابة ياسر أبو شباب”، وتحويلها إلى رموز الفشل الداخلي، يتم استهداف النسيج الاجتماعي الفلسطيني، لزرع بذور الشك والاحباط، واستدعاء مشاعر الإحباط بين المدنيين الذين يعانون أصلاً من حصار خانق وظروف إنسانية قاسية.

تبرير الحصار والإضعاف السياسي

إن من يمعن النظر في هذه الحملات يفهم سريعًا أن الهدف هو أكثر من مجرد تسليط الضوء على ظاهرة إجرامية محلية. فهذه الحملات تأتي في سياق مشروع إسرائيلي – أميركي – عربي مشترك يسعى إلى فرض واقع جديد في غزة عبر الآتي:

تبرير تشديد الحصار والقيود على المساعدات: إذ يُزعم أن الفساد الداخلي وانعدام الأمن في غزة يمنع وصول المساعدات الإنسانية، وهذا كذب واضح، حيث أن الاحتلال هو الحاجز الأساسي أمام دخول الإغاثة والمواد الحيوية، ويستخدم ذريعة الفساد لتبرير منع المساعدات أو تقنينها.

تأليب الرأي العام الدولي والعربي ضد المقاومة: من خلال تسويق فكرة أن الفصائل الفلسطينية أو مناصريها غير قادرين على إدارة القطاع أو حماية المدنيين، في محاولة لكسب دعم أكبر للسياسات الإسرائيلية القمعية.

زرع الخلافات والشكوك داخل المجتمع الفلسطيني: إذ يهدف تضخيم مثل هذه الظواهر إلى تفكيك اللحمة الاجتماعية وتعميق الهوة بين السكان، مما يسهّل عمليات الاحتلال العسكرية والسياسية اللاحقة.

الخطط الإسرائيلية لتفريغ الشمال وفرض السيطرة

ما يزيد من مأساة هذه الظاهرة هو أن دولة الاحتلال تسعى، من خلال استراتيجية توزيع المساعدات التي تتحكم بها بالكامل، إلى فرض تهجير داخلي لسكان شمال القطاع باتجاه الجنوب، تحت ذريعة “السلامة” والأمن، بينما في الواقع، يتم تفريغ مناطق كاملة لتسهيل عمليات عسكرية أو إعادة تشكيل اجتماعي وسياسي للقطاع.

هنا يأتي دور الجماعات التي يُزعم أنها محلية مثل عصابة أبو شباب، في تنفيذ مهام التهجير والتهديد الممنهج للمدنيين في شمال القطاع، بما ينسجم مع أجندة الاحتلال الذي يريد تقسيم الجغرافيا الفلسطينية وتقويض سلطتها الوطنية.

لكن المقاومة، وأغلبية السكان، صمدوا وأعادوا الآلاف من النازحين إلى مناطقهم، متحدين هذا المخطط، ما يعكس حجم الوحدة الداخلية التي تحاول دولة الاحتلال وحلفاؤها تشويهها عبر تضخيم ظواهر هامشية.

الذاكرة التاريخية والتقاليد الوطنية

لا يمكن فهم هذه الظاهرة بمعزل عن تاريخ النضال الفلسطيني الذي امتد لعقود، والذي بني على تلاحم بين الفصائل والمجتمع المدني، ورغم الظروف القاسية، إلا أن الفلسطينيين تمكنوا من تطوير شبكات دعم متبادلة وتضامن داخلي غير مسبوق.

تلك التقاليد مستمرة في غزة، حيث رغم الحصار والتجويع والعدوان المتكرر، لم تذل غزة ولم تستسلم، ولم تسمح لأي قوى محلية أو خارجية بأن تحكم قبضتها على نبض الشارع الفلسطيني.

ويؤكد مراقبون أن الذين يخونون قضيتهم، كعصابة أبو شباب، ليسوا إلا استثناءً في تاريخ طويل من التضحية والنضال، ويجب فهمهم كظاهرة مرضية، لا كقاعدة أو تمثيل للمقاومة الحقيقية.

وبحسب هؤلاء فإن إبراز شخصية “ياسر أبو شباب” بصورة مبالغ فيها ومحاولة تحويلها إلى أزمة داخلية تعاني منها غزة، ما هو إلا أداة ضمن أدوات الاحتلال الإسرائيلية وحلفائها من دول التطبيع، لترسيخ فكرة أن غزة ضعيفة وممزقة، وأن المقاومة فيها ليست سوى قناع زائف، وأنه لا بد من التدخل وتغيير الإدارة الوطنية في القطاع.

هذا التحليل يؤكد أن ما يجري من تضخيم إعلامي لهذه الظاهرة لا يمت للواقع الوطني الفلسطيني بصلة، وإنما هو مسرحية سياسية تهدف إلى إضعاف الشعب الفلسطيني وإفراغ مقاومته من مضمونها، لكن التاريخ والأرض وشعبها لن يسمحوا بذلك.

الغزّيون، رغم كل الظروف، يمتلكون قوّة عزيمة لا تُقهَر، وعمقًا اجتماعيًا وسياسيًا يصعب كسره، ولن تنجح أي خطة إسرائيلية أو عربية في تفكيكهم من الداخل عبر شخوص هامشيين يُغرقون في دروب الخيانة والفساد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى