تحليلات واراء

أحمد سعيد أبو دقة: صوت الفتنة من الداخل وواجهة الحرب النفسية ضد غزة

في خضم المجازر المتواصلة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، برزت أصوات فلسطينية تسهم في نشر صوت الفتنة ومحاولة ضرب الجبهة الداخلية لا من مواقع المقاومة أو الخلاف السياسي المشروع، بل من مواقع التماهي المكشوف مع سردية الاحتلال.

من بين هؤلاء، يبرز اسم أحمد سعيد أبو دقة، أحد أبرز وجوه ما بات يُعرف بـ”شبكة أفيخاي” – شبكة من الناشطين الفلسطينيين المرتبطين بشكل مباشر أو غير مباشر بأجهزة دعاية الاحتلال والناطقين باسمه.

خلفية شخصية ومهنية

أحمد سعيد أبو دقة من مواليد مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وينحدر من عائلة معروفة في المنطقة.

نشأ في ظل ظروف الاحتلال والحصار، لكنه سرعان ما انخرط في العمل الإعلامي والبحثي ضمن مسارات أثارت الكثير من الجدل.

وقد شغل في فترات سابقة مناصب ضمن مشاريع ممولة غربيًا بدعوى تعزيز “الحوار والسلام”، وكان من الناشطين في مبادرات تروّج لما يسمى “العيش المشترك” مع الإسرائيليين.

خلال السنوات الماضية، تحول أبو دقة إلى ناشط دائم على منصات التواصل الاجتماعي، حيث بنى شبكة علاقات مع عدد من الصحفيين الإسرائيليين والناطقين باسم الجيش، أبرزهم أفيخاي أدرعي، ما جعله موضع اتهام بالانخراط في حملة الحرب النفسية ضد شعبه.

الفساد والتمويل المشبوه

وثقت تقارير صحفية وتحقيقات فلسطينية عديدة حصول أحمد سعيد أبو دقة على تمويل من مؤسسات دولية وأخرى مرتبطة بدوائر رسمية إسرائيلية تحت غطاء “دعم المجتمع المدني”.

ففي العام 2021، نشرت صحيفة محلية تحقيقًا أشار إلى تلقيه مبالغ مالية من جهة أوروبية مقربة من الاستخبارات الإسرائيلية لتمويل مشروع “رصد خطاب الكراهية في غزة”، والذي تبيّن لاحقًا أنه موجّه حصريًا ضد فصائل المقاومة، مع تجاهل تام لخطاب التحريض الإسرائيلي.

كما نُقل عن موظفين سابقين عملوا معه في مشاريع ممولة من USAID و”صندوق مبادرات السلام” أنهم تعرضوا لضغوط للترويج لروايات الاحتلال في سياق أحداث مثل مسيرات العودة أو جولات التصعيد المتكررة على غزة.

التحريض على المقاومة.. أمثلة موثقة

منذ بداية حرب الإبادة التي تقودها إسرائيل ضد قطاع غزة في أكتوبر 2023، بات أحمد سعيد أبو دقة أشبه بمنصة ناطقة بلسان الاحتلال، يكرر الرواية العسكرية الإسرائيلية، ويحمّل المقاومة مسؤولية الدمار والمجازر.

ففي 15 نوفمبر 2023، نشر عبر صفحته على فيسبوك منشورًا يتهم فيه “قيادات المقاومة بدفع الأطفال للموت من أجل شعارات فارغة”، وهي جملة تكررت حرفيًا في منشورات أفيخاي أدرعي في التوقيت نفسه.

وفي 2 يناير 2024، ظهر في بث مباشر يتهم فصائل المقاومة بأنها “تتاجر بالمدنيين وتمنع المساعدات عن الناس”، متجاهلاً الحصار الإسرائيلي الكامل ومنع دخول الوقود والماء والغذاء.

وخلال استهداف الاحتلال لمستشفى الشفاء والجنين في الشمال، تبنى أبو دقة رواية الاحتلال بأن “الجيش استهدف عناصر مسلحة تتحصن في المستشفى”، في منشور بتاريخ 27 مارس 2024، رغم النفي الأممي المتكرر لذلك.

إضعاف الجبهة الداخلية.. دور مفضوح

في وقت يحتاج فيه الفلسطينيون في غزة إلى تضامن أبنائهم في الخارج، سلك أبو دقة مسارًا مضادًا، يزرع الشك والفرقة ويشوش على الموقف الوطني العام. تتهمه أوساط شبابية ونقابية في غزة بأنه يمارس دور “المثبط” و”الناقل للهلع”، إذ غالبًا ما يروّج لفكرة “الانتحار الجماعي الذي تقوده المقاومة”، ويصف أي دعوة للصمود بأنها “شعارات جوفاء”.

وتأتي هذه التصريحات في سياق الحرب النفسية التي تعتمدها إسرائيل كأحد أذرعها الرئيسية إلى جانب القصف العسكري، وقد وجد فيها الاحتلال حليفًا داخليًا يكرر سرديته بلغتنا وأسماءنا. تقول إحدى الناشطات من غزة (فضلت عدم ذكر اسمها): “حين يتحدث أحمد أبو دقة، نعرف أننا نستمع إلى نسخة فلسطينية من أفيخاي أدرعي، فقط بلهجة جنوبية”.

وخلال الشهور الأخيرة، تعالت الأصوات الفلسطينية المنتقدة لأدوار أحمد سعيد أبو دقة، إذ اعتبرته شخصيات إعلامية وأكاديمية أداة في يد الاحتلال، لا تختلف عن أولئك الذين يتعاونون مع منظومة الاحتلال أمنيًا.

في مارس 2024، أصدر “المرصد الفلسطيني للإعلام المقاوم” تقريرًا خاصًا عن أدوات الحرب النفسية الإسرائيلية، وضع فيه أبو دقة ضمن “الدوائر الرمادية التي تخدم العدو بوعي كامل”.

كما نشر مجموعة من الأكاديميين بيانًا في إبريل 2024 يطالب بفتح تحقيق في “الدور التخريبي الذي تمارسه بعض الشخصيات الفلسطينية المتصلة مباشرة بناطقين إسرائيليين”، وأشار البيان صراحة إلى أبو دقة.

وتحت وسم #عميل_الوعي_الزائف، أطلق نشطاء حملة إلكترونية تطالب بمحاسبة كل من يسهم في زعزعة الجبهة الداخلية عبر الترويج لمرويات الاحتلال، وفي مقدمتهم أحمد سعيد أبو دقة، مؤكدين أن “الحرب ليست فقط بالصواريخ، بل أيضًا بالكلمة والموقف والانتماء”.

وفي زمن تتعرض فيه غزة لحرب إبادة غير مسبوقة، يغدو الصمت خيانة، فما بالك حين يتحول الصوت الفلسطيني إلى بوق دعائي للعدو؟ أحمد سعيد أبو دقة ليس حالة فردية فقط، بل يمثل ظاهرة يجب التصدي لها، حيث يتحول العمل المدني والإعلامي إلى واجهة لتبرير القتل والحصار والتطبيع مع المحتل، تحت شعارات زائفة عن “السلام” و”الاعتدال”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى