تحليلات واراء

معتز العزايزة: من عدسة توثيق جرائم الحرب إلى مطية الاحتلال

أثار ظهور الصحفي والمصوّر الفلسطيني معتز العزايزة على بودكاست أجنبي موجة من الغضب والانتقاد، بعد تطرقه إلى فكرةٍ صادمة تقول إن الاحتلال الإسرائيلي كان على علم بعملية 7 أكتوبر وأنه “سمح بحدوثها” كي يبرّر إبادة أهل غزة وتنفيذ مشروع ما يُسمى “التطهير العرقي”.

تصريحات كهذه، خصوصًا من فلسطيني معروف بعمله داخل القطاع، تعتبر تخفيضًا للشعب الفلسطيني؛ فقد تحوّل من موثّق للمآسي إلى مهاجم شدّد على تبرئة مسؤولي الاحتلال، كأنما القضية كاملة ارتدت جبينها باتجاه مضاد.

من موثق للإبادة إلى مهاجم المقاومة

بدأ معتز العزايزة مسيرته كمصور صحفي يوثّق للدمار اليومي في غزة، فكان صوته محطة للنازحين والشهداء، كما انتشر اسمه بين مؤيدي القضية الفلسطينية حول العالم.

لكن تعليقاته وظهوره الأخير بصوته الأجنبي على بودكاست أجنبية قلب المعايير رأسًا على عقب؛ فردّ المشهد الفني الذي بنى ثقة الجمهور بانتقاده للاحتلال والغزو، أعاد تقديم رواية موجهة تُخفي حقيقتين: الاحتلال هو من اصطادنا، ليس العكس.

تصريح عزايزة يفترض بالإسرائيليين أنهم سبّاقون – لا كرد فعل – لهجوم 7 أكتوبر. هذا القول يجرد الشعب الفلسطيني من اعتبار الضحية، ويعطي الاحتلال مبررًا إرهابيًا “لازمًا” للقتل الجماعي! كما لو أن إبادة عائلة أو شارع أو مخيم يمكن قبولها بحجة ردع، وهذا مغالطة على كل الأصعدة:

إذ أن المذابح الموثقة ضد المدنيين قبل وتحت وطأة الحرب، والتي لا تحتاج تبريرًا يدخله الاحتلال من باب “أوقعوا أولًا”.

كما أن تنكر عشرات آلاف الشهداء، وآلاف المعتقلين، والمعاناة اليومية في الحصار، وكأنهم صور قديمة لا تعبّر عن مشروع تدمره الانتخابات أو التمكين الأيديولوجي الذي يتبناه نتنياهو.

خيانة داخلية: طعن في الثقة

عندما ينتقد ناشط فلسطيني حرية مقاوم، ويغض الطرف عن جرائم الحصار والتهجير والتعذيب – بل ويُبقي على خطاب الاحتلال المطلق – فهو بذلك يكون قد ارتكب خيانة من الداخل:

كلمات “طعن في ظهر غزة” و”خيانة فجر شعبه” ليست مبالغة، وإنما وصف لتنازل يُعد علامة ضعف أمام العدو.

بدلاً من استخدام البودكاست كمنصة للقتال السلمي أو لنقل المعاناة، اختار العزايزة تعميق الانقسام وازدراء الأمل بالتحرر.

النسيان المتعمد: جرائم الاحتلال مستمرة

لا يمكن فصل حديث عزايزة عن سياق أكبر من التنكيل اليومي:

الحصار المشدد غير الإنساني على غزة الذي يقيِّد الطعام والدواء والكهرباء.

الاعتقالات القسرية والتعذيب بدون محاكمات.

اقتحامات العزل والحواجز المنتشرة في الضفة الغربية المحتلة.

تدمير المنازل وعمليات مصادرة الأراضي.

هذه الجرائم ليست جزءًا صغيرًا من الصورة، بل هي الشرايين التي تنفذ فيها الدماء، والمحبسة في السجون، والمُدمّرة في كل زاوية.

الخطير هنا أن يوافق أحد على دحض مشروع المقاومة واستبداله برواية الاحتلال.

لمصلحة من يصبح الاحتلال صاحب مبادرة؟

إذا قبلنا رواية تزعم أن الاحتلال يريد إبادة تحت ستار عملية محسوبة، فإننا نقطع مع أعظم حقّ للشعب الفلسطيني في المقاومة، ونضفي شرعية مزيّفة على الاحتلال. من يفعل ذلك يضع نفسه بيد خطاب مُسجّى للحرب النفسية، لا للصراعات الوطنية أو الإنسانية.

فالحقيقة الوحيدة الواضحة: الاحتلال لا يحتاج مبررًا لقتلنا، فهو سمح بحدوث الجرائم ليبررها بوقتها، وليس العكس. وكل تصريح يحاول أن يعطي الاحتلال دور “الفاعل الأول” في إبادة الشعب الفلسطيني هو تضحية بشرف الوطنية، وأداة لمواصلة الإبادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى