الأزمات المتتالية في السلطة: فشل في إدارة الضفة وغزة تحت الضغط

تمر السلطة الفلسطينية بسلسلة من الأزمات المتتالية، ولا تكاد تلتقط أنفاسها حتى تجد نفسها أمام أزمة جديدة تفاقم من ضعفها وتزيد من فقدان الثقة فيها.
إذ بينما تُظهر السلطة في الضفة الغربية فشلًا مستمرًا في إدارة شؤونها، تتعالى الأصوات المطالبة بإصلاحها أو حتى تغييرات جذرية فيها.
الأمر الأكثر إلحاحًا هو سؤال: كيف ستتمكن السلطة، إذا استمر الحال على ما هو عليه، من إدارة قطاع غزة الذي يعاني من مشكلات اقتصادية وإنسانية واجتماعية هائلة؟.
السؤال يبدو أكثر صعوبة بالنظر إلى فقدان السلطة لشرعيتها في العديد من الدوائر الفلسطينية، خاصة في غزة التي تمثل تحديًا مركبًا للسلطة في ظل الانقسام المستمر.
الضعف في شعبية السلطة وأزماتها المتلاحقة
تعيش السلطة الفلسطينية في ضبابية شديدة فيما يتعلق بمستقبلها الشعبي والسياسي.
فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن شعبية الرئيس محمود عباس وأعضاء السلطة تتآكل يومًا بعد يوم، حيث يشعر الغالبية العظمى من الفلسطينيين بعدم الثقة في القيادة الحالية، خاصة بعد فشلها في تحقيق تقدم ملموس في التسوية مع دولة الاحتلال.
كما تواجه السلطة انتقادات شديدة بسبب مسلكها السياسي الضعيف، حيث باتت غير قادرة على تقديم حلول جذرية لقضايا الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو في غزة.
كانت السلطة قد أبدت في البداية آمالًا كبيرة في الوصول إلى اتفاقات مع دولة الاحتلال عبر المفاوضات، وهو ما تجسد في اتفاق أوسلو الذي وقع في التسعينات.
لكن هذا الاتفاق فشل في تحقيق أي نتائج ملموسة لصالح الشعب الفلسطيني، خاصة بعد تمدد الاستيطان الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية بشكل غير مسبوق.
إضافة إلى ذلك، فشل السلطة في فرض سيطرتها الأمنية على الأراضي الفلسطينية حتى في مناطق “A” المزعومة في الضفة الغربية، والتي يفترض أن تكون تحت سيطرتها بالكامل.
ففي ظل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، بدا أن السلطة مجرد “شاهد زور” في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين أمام الهجمات اليومية والمستمرة من قبل القوات الإسرائيلية.
التخلي عن غزة: فشل السلطة في إدارة القطاع المحاصر
خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، برز ضعف السلطة الفلسطينية بشكل جلي.
ففي الوقت الذي كان فيه الغزيون يواجهون الموت في كل لحظة، وكان القطاع ينزف من جراء القصف والدمار الواسع، قدمت السلطة الفلسطينية أداءً سلبيًا للغاية.
لم يكن هناك أي موقف سياسي جاد يغير من الوضع، بل كان مظهر السلطة محدودًا في البيانات الإعلامية والاحتجاجات التي لم تغير شيئًا على الأرض.
وقد استمر هذا الأداء الضعيف طيلة 22 شهرا من العدوان، حيث لم تكن هناك خطة واضحة لتقديم الدعم الحقيقي لغزة، لا على المستوى الإغاثي ولا على مستوى البنية التحتية.
وقد شكك العديد من الفلسطينيين في نوايا السلطة في غزة، خاصة في ظل الانقسام الداخلي المستمر. فبينما كانت السلطة تصر على أن الحل يجب أن يكون من خلال تهج التسوية والتنسيق الأمني، كانت غزة تشهد كارثة إنسانية حقيقية لم تجد من يوقفها.
وظهرت السلطة في عيون الكثيرين بأنها تتنصل من مسؤوليتها تجاه القطاع، خاصة في ظل عدم تقديمها الدعم الكافي للقطاع الذي كان يحتاج إلى كل شكل من أشكال الدعم السياسي والميداني.
على العكس، زادت السلطة من حصارها للقطاع بقطع الرواتب وفرض القيود الاقتصادية، ما أثار مزيدًا من الاستياء داخل الشارع الفلسطيني.
السلطة في الضفة: تآكل سلطة الأمن وتزايد الاحتلال
أما في الضفة الغربية، فقد تآكلت سلطة السلطة الفلسطينية على الأرض تدريجيًا.
فقد أصبحت أجهزة الأمن التابعة لها عاجزة عن حماية الفلسطينيين في وجه الهجمات اليومية من قبل المستوطنين الإسرائيليين، ناهيك عن الهجمات العسكرية من قبل جيش الاحتلال.
ويعكس ذلك الفشل الذريع في تنفيذ اتفاقيات أوسلو، الذي كان من المفترض أن يضمن للفلسطينيين السيادة على أراضيهم في الضفة الغربية، لكن الاحتلال الإسرائيلي قد استمر في فرض سيطرته على الأرض، خاصة مع استمرار بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية.
هذا التدهور في الوضع الأمني في الضفة جعل السلطة في موقف صعب، حيث باتت تتعرض لانتقادات متزايدة بسبب عجزها عن حماية المواطنين الفلسطينيين.
وفي الوقت ذاته، عزز الاحتلال الإسرائيلي من وجوده في الضفة الغربية، خاصة في المناطق التي كانت من المفترض أن تكون تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، ما جعل الأمور أكثر تعقيدًا وأدى إلى تراجع شرعية السلطة في نظر كثير من الفلسطينيين.
غياب الأفق السياسي: تسوية مفقودة والبدائل غائبة
إن أحد أكبر أسباب فشل السلطة الفلسطينية يعود إلى غياب أفق سياسي حقيقي يمكن أن يحقق مصالح الفلسطينيين. منذ توقيع اتفاق أوسلو، الذي كان بمثابة إقرار بوجود حل سلمي مع دولة الاحتلال، لم يتحقق أي تقدم حقيقي في المسار السياسي.
بل على العكس، زادت دولة الاحتلال من تهويد الأراضي الفلسطينية، وبنت مستوطنات جديدة، وأغلقت الآفاق أمام أي حل عادل. في ظل هذا الانسداد التام، كانت السلطة الفلسطينية عاجزة عن تقديم أي بديل حقيقي.
لقد عاشت السلطة ة على مدار سنوات في حالة من الجمود السياسي والإداري، ولم تقدم أي خطة قابلة للتنفيذ يمكن أن تنقذ الموقف الفلسطيني.
مع ذلك، استمرت السلطة في تمسكها بالمفاوضات كحل رئيسي، رغم أن الواقع على الأرض كان يتناقض مع هذا الطرح بشكل كبير. هذا الإصرار على الحلول السلمية بدون ضمانات حقيقية أو دعم فعلي من المجتمع الدولي، يزيد من فقدان الثقة في القيادة الفلسطينية ويشجع على المزيد من التشرذم السياسي في الساحة الفلسطينية.
هل من أمل في حل حقيقي؟
إن معاناة الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، لن تنتهي طالما بقيت السلطة الفلسطينية عاجزة عن تقديم حلول حقيقية.
ويؤكد مراقبون أن استمرار العجز في معالجة الأزمات والفساد الإداري والتخلي عن غزة يجعل من السلطة الفلسطينية في موقف غير قادر على تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.
ولا يمكن التغاضي عن ضرورة وجود بديل حقيقي يعيد الوحدة الوطنية الفلسطينية ويضمن الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني تحت سقف دولة مستقلة على حدود عام 1967.
وبينما تتفاقم الأزمات وتزداد الظروف سوءًا، تبقى الحاجة إلى تغيير جذري في القيادة الفلسطينية أمراً ملحًا لضمان مستقبل أفضل للفلسطينيين وتحقيق الحرية والعدالة.