تحليلات واراء

أمجد أبو كوش: صوت التطبيع والتحريض في زمن الإبادة

بينما تخوض غزة واحدة من أكثر مراحلها دموية في زمن الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023، تبرز بعض الأصوات الفلسطينية في الخارج وهي تروّج لرواية الاحتلال وتحرض على فصائل المقاومة، في انسجام تام مع آلة الدعاية الإسرائيلية. من بين هؤلاء، يبرز اسم أمجد أبو كوش، أحد أبرز الشخصيات المنخرطة في شبكة “أفيخاي”، التي تضم فلسطينيين ينخرطون بالمشاركة في الحرب النفسية ضد شعبهم وفصائل المقاومة.

وأمجد أبو كوش هو ناشط فلسطيني يحمل الجنسية البلجيكية، وينحدر من عائلة فلسطينية تعود جذورها إلى مدينة غزة. وُلد في الخارج ونشأ بعيدًا عن واقع الاحتلال المباشر، لكنه استثمر هذه المسافة لاحقًا في تبني خطاب يصادم الثوابت الوطنية الفلسطينية.

وقد بدأ مسيرته من خلال مشاريع “الحوار” و”التبادل الثقافي”، حيث شارك في مبادرات تطبيعية جمعت شبانًا فلسطينيين وإسرائيليين بحجة كسر الحواجز.

في مطلع 2020، أسس منصة إعلامية رقمية تدعي الحياد لكنها سرعان ما تحولت إلى منبر لانتقاد المقاومة وتبييض الاحتلال.

فضائح التمويل والترويج للاحتلال

تورط أمجد أبو كوش في عدة فضائح مالية وإعلامية، أبرزها تلقيه تمويلاً من جهات أوروبية وإسرائيلية تحت غطاء دعم حرية التعبير.

وقد وثق تحقيق نشرته مجلة بلجيكية في ديسمبر 2022 أن مؤسسته الإعلامية حصلت على منحة من منظمة أوروبية مرتبطة بجهاز الاستخبارات الهولندي، وُظفت لترويج خطاب “السلام الواقعي”، والذي يتضمن إدانة المقاومة ومساواة الجلاد بالضحية.

كما كشف تحقيق آخر لمنصة “ميديا ووتش فلسطين” في أبريل 2023 أن أبو كوش يتلقى دعمًا لوجستيًا من مراكز بحث إسرائيلية، وقد شارك في جلسات مغلقة ضمن “منتدى التعاون الإقليمي” التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، تحت غطاء العمل الصحفي المستقل.

التحريض الممنهج على المقاومة

مع بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، انخرط أبو كوش في موجة تحريض علنية ضد فصائل المقاومة، متبنيًا خطابًا يصب في خدمة آلة القتل الإسرائيلية.

ففي 18 أكتوبر 2023، وبعد قصف الاحتلال لمستشفى المعمداني، نشر أبو كوش تغريدة قال فيها إن “المقاومة تتاجر بجثث الأطفال لتحقيق مكاسب سياسية”، في انسجام مع التصريحات الصادرة حينها عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي.

وفي 22 نوفمبر 2023، خلال ظهوره في قناة ناطقة بالفرنسية، قال إن “حماس حولت غزة إلى درع بشري”، وهو تعبير بات مألوفًا في بروباغندا الاحتلال.

كما دافع في مناسبات متكررة عن قصف الأبراج السكنية في غزة، معتبرًا أن “المقاومة تتحمل مسؤولية تموضعها في مناطق مدنية”، وفق تصريح له على إحدى القنوات البلجيكية في 4 يناير 2024.

إضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية

في الوقت الذي تتعرض فيه غزة للتجويع والقصف والتدمير المنهجي، يواصل أبو كوش هجومه على صمود الفلسطينيين، عبر وصمهم بالجهل والتهور.

وقد ظهر في بث مباشر يوم 10 فبراير 2024 ليقول إن “الشعب في غزة مغسول الدماغ ويُستخدم كوقود لحروب عبثية”، وهو خطاب يخدم أهداف الاحتلال في كيّ وعي الفلسطينيين وتفكيك روايتهم عن النضال والتحرر.

وتم توثيق مشاركته في مجموعة واتساب مغلقة تضم شخصيات مرتبطة بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث يُستخدم محتواه الإعلامي كمادة ضمن الحملات النفسية الموجهة ضد سكان غزة.

يقول أحد الصحفيين الفلسطينيين المقيمين في أوروبا: “أمجد أبو كوش ليس مجرد ناقد للمقاومة، بل هو جزء من منظومة متكاملة هدفها تقويض الروح المعنوية الفلسطينية، والتشكيك بعدالة القضية، وتمرير خطاب التطبيع بلباس التنوير”.

انتقادات ومطالب بالمحاسبة

تواجه أنشطة أمجد أبو كوش سيلًا من الانتقادات الحادة من مؤسسات فلسطينية في الشتات وناشطين داخل غزة والضفة.

ففي مارس 2024، أصدرت “رابطة الإعلاميين الفلسطينيين في أوروبا” بيانًا أدانت فيه “الخطاب التطبيعي واللاوطني الذي يروّج له بعض الأفراد الفلسطينيين تحت عناوين براقة”، وخصّت بالذكر أبو كوش باعتباره “نموذجًا للانحراف الإعلامي الذي يخدم مصالح الاحتلال”.

كما أطلق نشطاء حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم #أصوات_العار، تضمنت توثيقًا لمواقفه المثيرة للجدل، ومقاطع فيديو يظهر فيها وهو يبرر الجرائم الإسرائيلية علنًا. وتعرضت صفحاته لهجوم واسع، دفعه لحذف بعض المنشورات التي اتُهم فيها بتبرير قصف المدارس والمستشفيات.

وفي ندوة نظمتها مجموعة أكاديمية في بيروت في أبريل 2024، وصفه أحد الباحثين بأنه “حصان طروادة داخل المجتمع الفلسطيني في أوروبا”، مضيفًا أن “خطابه يشرعن الاحتلال أخلاقيًا ويغلف مشروع تصفية القضية الفلسطينية بلغة ناعمة”.

عندما تتحول المنصة إلى خنجر

قصة أمجد أبو كوش ليست استثناءً، بل جزء من شبكة معقدة توظف منصات التواصل والإعلام الناعم لتمرير المشروع الإسرائيلي، مستفيدة من المساحات المتاحة في الغرب والمناخات المعادية للمقاومة.

وفي زمن الإبادة الجماعية، يصبح الحياد جريمة، أما التماهي مع القاتل فهو خيانة صريحة. لذلك فإن مواجهة هذه الأصوات واجب وطني، لا يقل أهمية عن مقاومة الطائرات والصواريخ، لأن المعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل أيضًا على وعي الناس وذاكرتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى