التفاصيل الكاملة لوحدة إسرائيلية مكلفة بتشويه سمعة صحفيي غزة

كشفت مجلة +972 الإسرائيلية-الفلسطينية، في تقرير مثير للجدل، أن وحدة خاصة في الجيش الإسرائيلي تُعرف باسم “خلية الشرعية” أنشئت بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بهدف استهداف الصحفيين الفلسطينيين في غزة بتشويه سمعتهم عبر تقديمهم للعالم كـ”مقاتلين سريين” في حركة حماس.
ونقلت المجلة عن ثلاثة مصادر استخباراتية أن هذه الوحدة صُممت خصيصًا لمعالجة “أزمة الصورة” التي واجهتها دولة الاحتلال جراء الانتقادات الدولية الحادة لقتل مئات الصحفيين، عبر إنتاج روايات دعائية تبرر تلك الجرائم وتُقنع الحلفاء الرئيسيين، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، بضرورة استمرار الدعم العسكري والدبلوماسي.
استهداف مباشر وتشويه الأدلة
بحسب المصادر، سعت “خلية الشرعية” إلى تصنيف بعض الصحفيين كأهداف عسكرية. وفي حالة واحدة على الأقل، جرى تزوير أدلة للإيحاء بأن مراسلًا يحمل سلاحًا سرًا.
غير أن هذا التصنيف أُلغي لاحقًا بعدما تبين أنه صحفي ميداني فعلي، لكن الواقعة كشفت – وفق الشهادات – عن تجاوزات خطيرة داخل الوحدة، التي كان بعض ضباطها “متلهفين لإيجاد ذريعة” لاستهداف الصحفيين تحت شعار: “نهارًا صحفي، ليلًا قائد فصيلة”.
وأشارت المصادر إلى أن الهدف لم يكن أمنيًا بقدر ما كان دعائيًا، إذ كانت الحكومة الإسرائيلية توجه الخلية للتركيز على قضايا محددة تثير الجدل الدولي، مثل مقتل صحفيين أو استهداف منشآت مدنية، لتوفير “رواية مضادة” جاهزة للتداول الإعلامي.
اغتيال أنس الشريف وزملائه
جاءت هذه المعلومات بعد أيام من اغتيال الاحتلال الإسرائيلي أنس الشريف، مراسل قناة الجزيرة، وثلاثة من زملائه في داخل خيمة نزوح في مدينة غزة.
وقد بررت سلطات الاحتلال اغتياله بالزعم أنه “قائد في حماس”، وهو ادعاء وصفته منظمات حقوقية بأنه ملف فارغ بلا أدلة مقنعة.
وأبرزت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين أن أكثر من 180 صحفيًا فلسطينيًا استشهدوا منذ 2023، بينهم 26 حالة اغتيال مُستهدفة، معتبرة ذلك جرائم قتل ممنهجة لا يمكن تبريرها.
وكان الشريف نفسه قد حذر في العام 2024 من أن الاتهامات الإسرائيلية بحقه بمثابة “مقدمة لتصفيته”. ومع تزايد تقاريره حول المجاعة في غزة، أعادت سلطات الاحتلال إحياء هذه الادعاءات بوتيرة مكثفة، إلى أن انتهى الأمر باغتياله.
قيود مشددة على الإعلام
التقرير أشار أيضًا إلى أن دولة الاحتلال منعت معظم الصحفيين الأجانب من دخول غزة إلا عبر زيارات قصيرة تحت رقابة عسكرية مشددة، مع حظر التحدث إلى الفلسطينيين بحرية.
وبهذا، بقي الصحفيون المحليون في مواجهة المخاطر الأكبر، حيث تحولوا إلى أهداف مباشرة، في ظل غياب رقابة خارجية مستقلة.
غطاء للعلاقات العامة لا للأمن
أكد أحد المصادر الاستخباراتية للمجلة أن “الدافع الأساسي وراء عمل الخلية لم يكن الأمن القومي بل العلاقات العامة”، موضحًا: “إذا تحدثت وسائل الإعلام العالمية عن قتل الاحتلال لصحفيين أبرياء، فهناك ضغط فوري للعثور على صحفي واحد يمكن وصمه بأنه ليس بريئًا تمامًا، وكأن ذلك يجعل قتل عشرين آخرين مقبولًا”.
وأضاف مصدر آخر أن عمل الوحدة كان يُسوَّق للضباط بأنه أساسي لاستمرار الدعم الأميركي بالسلاح والذخيرة، وللحفاظ على الغطاء الدولي لمواصلة الحرب.
قلق داخل المؤسسة الأمنية
عبر بعض عناصر الوحدة عن قلقهم من نشر مواد استخباراتية سرية لأغراض دعائية بحتة، وهو ما اعتبروه تجاوزًا لمهام الجيش التقليدية. ومع ذلك، فإن الأوامر العليا كانت واضحة: “كل ما يخدم صورة إسرائيل شرعي”.
قانونيًا، يتمتع الصحفيون بحماية خاصة بموجب اتفاقيات جنيف، ويُعد استهدافهم جريمة حرب. إلا أن ما كشفه تقرير +972 يعزز الاتهامات الموجهة لإسرائيل بانتهاج سياسة منظمة لتجريم الصحافة الفلسطينية وتجريدها من الحماية القانونية، في مسعى لتكميم الحقيقة وتبييض صورة العدوان.
ويكشف تقرير +972 عن بنية مؤسساتية داخل الجيش الإسرائيلي مكرسة لتشويه سمعة الصحفيين الفلسطينيين، عبر التلاعب بالمعلومات لتبرير استهدافهم جسديًا أو تشويههم أخلاقيًا.
وفي ظل قتل أكثر من 238 صحفيًا منذ 2023، فإن هذه السياسة تُظهر أن الحرب الإسرائيلية على غزة ليست فقط حربًا عسكرية، بل أيضًا حرب على الحقيقة.