تحليلات واراء

دعاية مصرية رخيصة للتغطية على مأساة المجاعة في غزة

يواصل النظام المصري الترويج إلى دعاية رخيصة تقوم على تقديم أرقام “خيالية” حول حجم المساعدات التي يزعم إدخالها إلى قطاع غزة وذلك في خضم مأساة إنسانية غير مسبوقة يعيشها مواطنيه بفعل تفاقم المجاعة بسبب الحصار الإسرائيلي والتواطؤ الإقليمي.

أحدث هذه الادعاءات هو الإعلان عن تنفيذ 168 إنزالًا جويًا منذ إغلاق معبر رفح، في محاولة لتصوير مصر كطرف يقوم بدور إنساني محوري، بينما الحقائق على الأرض تقول العكس تمامًا.

ويؤكد مراقبون أن ما تمارسه مجرد دعاية مكشوفة، تسعى إلى تلميع صورة النظام المصري أمام الرأي العام المحلي والعربي، وتغطية دوره في تشديد الحصار على غزة وحرمان سكانها من أبسط مقومات الحياة.

المجاعة في غزة ويكيبيديا

الرقم الذي يروّج له الإعلام المصري – 168 إنزالًا جويًا – يبدو ضخمًا للوهلة الأولى. غير أن مقارنته بالاحتياجات الفعلية لسكان القطاع تكشف عن التضليل الفاضح:

سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة يحتاجون إلى 7.5 مليون وجبة طعام يوميًا كحد أدنى.

لتلبية الحاجات الأساسية (غذاء، دواء، وقود)، يحتاج القطاع إلى 600 شاحنة إغاثية يوميًا، بينما لم يدخل سوى عشرات الشاحنات في أحسن الأحوال، وغالبًا ما تكون محملة بمستلزمات غير أساسية أو بكميات رمزية.

الأطفال الرضع وحدهم يحتاجون إلى 250 ألف علبة حليب شهريًا، وهو ما لا توفره طائرات الإنزال التي يستخدمها النظام المصري كـ”عرض استعراضي”.

بناءً على هذه المعطيات، فإن الـ168 إنزالًا التي يهوّل بها الإعلام الرسمي لا تساوي شيئًا أمام الفجوة الهائلة بين الحاجة والواقع. فهي بالكاد تكفي لتوفير وجبات محدودة لساعات قليلة، بينما المجاعة تفتك بالمدنيين يومًا بعد يوم.

مأساة تتعمق بالأرقام

الحقيقة الميدانية في غزة أبعد ما تكون عن الدعاية المصرية:

أكثر من 62 ألف شهيدًا وصلوا إلى المستشفيات منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة.

156,230 جريحًا، كثير منهم بلا علاج كافٍ بسبب نقص الدواء والمستلزمات الطبية.

أكثر من 9,500 شهيد ومفقود لم يصلوا إلى المستشفيات، وظلت جثثهم تحت الركام أو في العراء.

1,965 شهيدًا و14,701 جريحًا سقطوا بسبب ما يعرف بـ”مصائد المساعدات”، حيث يتحول البحث عن الغذاء إلى فخ دموي تنصبه إسرائيل على طرق التوزيع.

266 شهيدًا بسبب الجوع وسوء التغذية، بينهم 112 طفلًا، وهي أرقام تعكس بوضوح حجم المأساة التي لا تغطيها دعاية جوية مصرية.

هذه الأرقام وحدها كافية لدحض أي خطاب يروج له النظام المصري حول “نجاحاته الإنسانية”.

حصار غزة ويكيبيديا

جوهر المشكلة لا يكمن فقط في الأرقام المبالغ فيها، بل في الدور السياسي الكامن خلف هذه الحملة الإعلامية. فالنظام المصري، بدلًا من أن يستخدم معبر رفح كمنفذ رئيسي لإغاثة غزة، اختار إغلاقه، وترك سكان القطاع رهائن الجوع والقصف.

وبدل أن يواجه الاحتلال الإسرائيلي الذي يمنع مرور المساعدات، انخرط النظام المصري في تقديم عروض جوية استعراضية تُبث على القنوات الرسمية وكأنها إنجازات تاريخية. هذه الاستراتيجية لا تهدف إلى إطعام جائع أو إنقاذ مريض، بل إلى التغطية على التواطؤ المصري في الحصار.

فالإغلاق المستمر للمعبر، والتنسيق الأمني مع الاحتلال، والسكوت عن مجازر “مصائد المساعدات”، كلها مؤشرات تؤكد أن القاهرة ليست طرفًا محايدًا، بل شريكًا فعليًا في السياسة الإسرائيلية الرامية إلى إخضاع غزة وتجويع سكانها.

ولم يكن الدور المصري في هذه الحرب إنسانيًا يومًا ما. فمنذ بداية العدوان، حرصت القاهرة على لعب دور الوسيط في المفاوضات، لكن دون أن تضغط لوقف الحرب أو رفع الحصار.

بل على العكس، جاءت الدعاية عن “168 إنزالًا جويًا” لتنسجم مع السردية الإسرائيلية التي تزعم أن المساعدات تتدفق على غزة، في وقت تؤكد فيه الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة أن الوضع هو كارثة إنسانية غير مسبوقة.

وبحسب المراقبين فإن هذا التقاطع ليس عفويًا، بل يعكس تحالفًا سياسيًا وأمنيًا مع الاحتلال ضد فصائل المقاومة الفلسطينية. فحرمان غزة من الغذاء والدواء والوقود يصب في مصلحة دولة الاحتلال التي تراهن على كسر الجبهة الداخلية الفلسطينية ودفع الناس إلى الانهيار.

وبينما يواصل الإعلام المصري تضليل الرأي العام، يبقى الواقع واضحًا: غزة لا تحتاج إلى إنزالات جوية ودعاية رخيصة، بل إلى إنهاء الحصار وفتح المعابر كليا ووقف الإبادة الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى