تحليلات واراء

“إسرائيل” فتحت جبهة جديدة في لبنان في حرب لا يمكنها إنهاؤها

فتحت دولة الاحتلال الإسرائيلي جبهة جديدة في لبنان في حرب لا يمكنها إنهاؤها في وقت تبدو الأهداف الأساسية لتل أبيب تتلخص في فصل الجبهة الشمالية عن غزة وإعادة عشرات الآلاف من المستوطنين النازحين إلى الشمال لكن دون توقعات بإمكانية تحقيق ذلك.

على مدار الأيام الأخيرة، وجهت سلسلة الهجمات العشوائية التي شنتها دولة الاحتلال على لبنان، بما في ذلك تفجير أجهزة اتصالات، والضربات الجوية على ضاحية بيروت الجنوبية، ضربة قوية لحزب الله.

وبالإضافة إلى ارتفاع معدلات الإصابات بين المدنيين، أسفرت الهجمات عن قتل العشرات من مقاتلي حزب الله، بما في ذلك كبار القادة في وحدة رضوان النخبة.

وفي يوم الاثنين، صعدت دولة الاحتلال من هجماتها بشن قصف عنيف على جنوب لبنان وسهل البقاع، ما أدى إلى قتل وإصابة أكثر من ألف مدني في بضع ساعات.

إن قدرة “إسرائيل” على اختراق شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله والقضاء على كبار القادة العسكريين تثير شكوكاً جدية حول قدرة المقاومة المسلحة على العمل بكفاءة على أرض المعركة. وإن الفشل الاستخباراتي قد يكون أشد فتكاً من الخسائر الميدانية بالنسبة لإدارة الحرب بشكل عام.

وارتفع معدل هذه الحوادث منذ الوفاة المشبوهة للرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة في مايو/أيار الماضي.

وقد أدى عدم اليقين بشأن مصدر ومدى التسلل في ظل الحرب التكنولوجية سريعة التطور إلى تأجيج نار التكهنات.

التضامن الشعبي

ورغم خطورة النكسات والحاجة إلى المحاسبة عن هذه الخروقات، فإن رد الفعل الشعبي والاستجابة العسكرية السريعة من جانب حزب الله خلال نهاية الأسبوع كانت بمثابة إشارة قوية على قدرة الناس العاديين وقوى المقاومة على حد سواء على الصمود.

وعلى الصعيد المحلي، أثارت الهجمات الدموية التي شنتها إسرائيل موجة من التعاطف الشعبي والتضامن الشعبي مع آلاف الضحايا. وانضمت حملات نقل الدم والأطباء المتطوعون إلى جهود الإنقاذ والعلاج.

وقد انضمت شخصيات رسمية في الحكومة اللبنانية وفصائل سياسية متوترة العلاقات مع حزب الله، مثل التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، إلى جانب الحزب.

وخفف موقفهم، حتى وإن كان رمزياً، من موجة الشك والخوف التي أطلقها معارضو حزب الله التقليديون.

ويتراوح هؤلاء المنتقدون من جماعات يمينية مثل حزبي الكتائب والكتائب، إلى وسائل الإعلام الاجتماعية ذات التوجهات اليسارية الممولة من الغرب أو الخليج، والمعلقين العموميين، الذين يعلن معظمهم موقفاً مؤيداً للفلسطينيين.

وعلى الصعيد العسكري، أطلق حزب الله عشرات الصواريخ القصيرة والطويلة المدى التي أصابت عدة مراكز حضرية حتى جنوب حيفا. وشملت الأهداف منشآت عسكرية مثل مجمع تصنيع إلكتروني وقاعدة رامات ديفيد الجوية الإسرائيلية الكبرى.

والأمر الأكثر أهمية هو أن التصعيد المضاد لعمليات المقاومة نجح حتى الآن في إفشال الأهداف المعلنة لإسرائيل، وهو ما يشكل الاختبار النهائي لنجاح أو فشل هجماتها.

إن الهدفين الاستراتيجيين الرئيسيين للدولة الصهيونية هما فصل الجبهة الشمالية عن غزة، وإعادة عشرات الآلاف من المستوطنين النازحين إلى مستوطناتهم في شمال فلسطين المحتلة.  ولا يبدو أن أي من النتيجتين وشيك.

مرحلة جديدة

أعلن نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم أن الحرب دخلت مرحلة “الحسابات المفتوحة” وقد تؤدي إلى المزيد من النزوح.

لقد أدى القصف الصاروخي الذي يشنه حزب الله في الآونة الأخيرة إلى دفع عشرات الآلاف من السكان في العديد من المدن والبلدات إلى البحث عن ملاجئ. كما تم إغلاق المدارس. ووردت أنباء عن توجيه تعليمات للمستشفيات بإرسال جرحاها إلى مخابئ تحت الأرض.

ولم يتضح بعد حجم الأضرار التي لحقت بالمواقع العسكرية الإسرائيلية بسبب الحظر الصارم الذي تفرضه تل أبيب على التغطية الإعلامية لخسائرها.

ولكن حقيقة أن هذه المواقع تقع في مرمى نيران حزب الله، وأن القبة الحديدية التي تحتفي بها “إسرائيل” ليست مقاومة للصواريخ، من شأنها أن تؤدي إلى تآكل قوة الردع الإسرائيلية بشكل أكبر.

كما أن الصواريخ بعيدة المدى التي يمتلكها حزب الله والمتمركزة في مخابئ تحت الأرض بعيداً عن الحدود تنذر بالسوء بالنسبة لغزو بري للأراضي اللبنانية جنوب نهر الليطاني.

ومن شأن هذا الغزو المتهور أن يضع القوات الإسرائيلية في مرمى نيران قوات حزب الله، ولن يحمي المستوطنات الشمالية من الصواريخ التي تطلق من فوقها.

وعلى المستوى الإقليمي، ساهمت بيانات التضامن والعمل العسكري الداعم من جانب حلفاء حزب الله في فلسطين واليمن والعراق بعد الهجمات في ترسيخ مبدأ “وحدة الجبهات” . وهو تذكير بأن الحرب الحالية لا يمكن النظر إليها على أنها حرب مجزأة. فكل الجبهات مترابطة وخسارة إحداها تعني خسارة الأخرى والعكس صحيح.

وقال حزب الله مراراً وتكراراً إن أفضل طريقة لإعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى المستوطنات الشمالية هي إنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.

وبالمثل، قبلت حماس الاقتراح الذي قدمه الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو/أيار الماضي والذي يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني والحصار للقطاع، وتبادل الأسرى بوساطة.

الغطاء الغربي

إن التصعيد الخطير الذي تشنه “إسرائيل” على الجبهة الشمالية يكشف عن حرص تل أبيب على تخريب أي حل عادل ومعقول.

ففي حين تهاجم دولة الاحتلال لبنان بكل وقاحة، تواصل قواتها قصفها الوحشي وحصارها وإرهاب الفلسطينيين في غزة.

وإلى الشرق، تنفذ القوات المسلحة الإسرائيلية غارات عنيفة ضد مخيمات اللاجئين والبلدات والقرى في الضفة الغربية المحتلة، بينما يرتكب المستوطنون أعمال عنف في الأراضي والمجتمعات الفلسطينية.

وعلى الرغم من كل الحيل الدبلوماسية الأميركية التي تثبت العكس، فإن تعنت “إسرائيل” لن يكون ممكناً من دون الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي المستمر من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

وتستمد “إسرائيل” الجرأة أيضاً من الإدانات غير الفعالة من الأمم المتحدة، والاحتجاجات الخجولة وغير الفعالة من منافسي الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، والتواطؤ الصريح من جانب الدول والحكومات العربية، وخاصة تلك المتاخمة لفلسطين مثل الأردن ومصر.

وعندما نضع ذلك في هذا السياق، فإن حقيقة أن قوى المقاومة غير التابعة للدولة والفقيرة الموارد في فلسطين ولبنان واليمن تمكنت من الحفاظ على حرب استنزاف فعالة لمدة عام ضد الترسانة المتقدمة للغاية لإسرائيل المدعومة من القوى العظمى، تشكل في حد ذاتها إنجازاً تاريخياً في سجلات حروب التحرير ضد الاستعمار.

ولكن لم يتسن بعد تحديد المدة التي قد تصمد فيها قوات هذه الشعوب. ولكن الاحتمالات تظل كبيرة في ظل الإرادة القوية للمقاومة والانتكاسات والتناقضات الداخلية التي تواجهها “إسرائيل” أيضاً والزمن سوف يخبرنا بذلك.

والسؤال الأكثر إلحاحا هو إلى متى سوف يظل بقية العالم، وخاصة القوى التي تشعر بالقلق إزاء إعادة ترسيخ الإمبريالية الأميركية في المنطقة، جالسا ويراقب ما يحدث.

نقلا عن Middle East Eye

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى