تحليلات واراء

مبادرة وهمية للتضامن مع أطفال إسرائيليين في غزة تتجاهل جرائم الاحتلال

روجت وسائل إعلام إسرائيلية حديثا إلى مبادرة وهمية تدعى أنها انطلقت من قطاع غزة للتضامن مع أطفال إسرائيليين تحت اسم (نعيش معًا، نموت معًا).

والحملة تزعم وسائل الإعلام الإسرائيلية أن شابا من غزة يُدعى “رامز” وفقد عائلته في حرب الإبادة الإسرائيلية، حيث ظهر حاملاً صور أطفال إسرائيليين يتم تصويرهم على أنهم ضحايا الهجمات الفلسطينية فيما في الواقع هم قتلوا في قصف إسرائيلي على مواقع في غزة.

تجاهل عدوان الاحتلال

المبادرة المذكورة رغم نواياها الظاهرة في الدعوة للسلام وإنهاء العنف، تواجه انتقادات حادة داخل المجتمع الفلسطيني وأوساط المراقبين، بسبب تجاهلها الكامل للسياق الحقيقي والظالم الذي تُفرض فيه هذه الحرب.

إذ أولاً: لا يمكن فصل مأساة أطفال غزة عن واقع الاحتلال الإسرائيلي المستمر، والذي تسبب في قتل عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، خلال عقود من الحصار والقصف والتهجير.

ويؤكد المراقبون أن حملة رامز وغيرها من حملات التضامن مع أطفال دولة الاحتلال الإسرائيلية وحدهم، تغفل عمداً حجم المأساة الأكبر التي يعيشها الفلسطينيون يومياً تحت نير الاحتلال، مما يجعل هذه المبادرات أشبه بمحاولة لإخفاء الحقيقة والتساوي الزائف بين ضحايا المُعتدي والضحية.

ثانياً: المبادرة لم تحظَ بأي تفاعل شعبي ملموس داخل غزة، فالصورة التي تداولتها وسائل الإعلام لا تتجاوز وجود شابين أو ثلاثة أشخاص معروفين بينهم رامز نفسه، ولا تعكس حالة مشاركة جماهيرية أو شعبية واسعة.

في مجتمع يعاني من مأساة يومية ويدرك حجم الظلم والعدوان الواقع عليه، لا يبدو أن هذه الوقفات الرمزية قد لاقت صدى أو اهتماماً فعلياً من قبل السكان، الذين يُفضلون التركيز على مقاومة الاحتلال وفضح جرائمه، لا على صور ضحايا الطرف المعتدي فقط.

تبييض صورة الاحتلال

ثالثاً: هذه الحملات التي تطالب بـ”وقف القتل من كلا الجانبين” تروّج لمفهوم “التوازن في المعاناة”، وهو ما يغفل حقيقة أن الاحتلال هو الطرف الذي يمارس القتل والاعتداء بشكل ممنهج ومتواصل، بينما الفلسطينيون يدافعون عن أنفسهم وأراضيهم في ظل ظروف قاهرة وصعبة.

وهذا الخطاب، رغم أنه يحاول أن يبدو منصفاً، إلا أنه في الواقع يشرعن الاحتلال ويخفي مسؤولية الجلاد الحقيقي عن المجازر اليومية.

رابعاً: اللافت أن المبادرة تأتي في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي خلف آلاف الضحايا المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، بينما لا يتم التطرق إلى هذه الجرائم الكبيرة التي يمارسها الاحتلال. بدلاً من ذلك، يتركز الخطاب على دعوات تنسيقية تعمّم الألم بطريقة غير متكافئة، وتخفف من وطأة الحقيقة التاريخية.

باختصار، رغم أن نوايا رامز والشباب المشاركين في هذه المبادرة قد تكون إنسانية، إلا أن تجاهلهم السياق السياسي والاحتلالي الحقيقي وتحجيمهم لمعاناة الفلسطينيين تحت الحصار يجعل من حملتهم رمزية ضعيفة لا تعبّر عن نبض الشارع الفلسطيني أو عن قضيته العادلة.

وإن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا بالاعتراف بالظلم الواقع، ومحاسبة الاحتلال على جرائمه، وليس عبر حملات تضامن تخفي الحقائق وتمنح الاحتلال غطاءً إنسانياً كاذباً.

إن الفلسطينيين، وخاصة أهل غزة، يرفضون أن يُختزل نضالهم في صور قليلة لأطفال الطرف الآخر، بينما يواصل الاحتلال قتل أطفالهم وتدمير حياتهم اليومية بلا حساب. وهذا هو جوهر المقاومة؛ أن يُطالب بالسلام عبر إنهاء الاحتلال وليس عبر محاولة رسم صورة متوازنة لا وجود لها في الواقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى