تحليلات واراء

دعم النظام الأردني لدولة الاحتلال مجددًا… خيانة معلنة في ثوب السيادة

مرة جديدة، يضع النظام الأردني نفسه في خندق واحد مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لا كوسيط سلام أو طرف محايد، بل كذراع دفاعي متقدم لحماية “أمن إسرائيل” من الهجمات الإقليمية، وتحديدًا من إيران.

ففي فجر يوم الجمعة، أعلن الجيش الأردني اعتراضه طائرات مسيّرة وصواريخ إيرانية اخترقت الأجواء الأردنية في طريقها إلى أهداف داخل دولة الاحتلال، مؤكداً جهوزيته الكاملة للتعامل مع ما وصفه بـ”التهديدات” حفاظًا على سلامة المواطنين.

لكنّ ما يصفه النظام الأردني بأنه “حماية للسيادة والدفاع عن النفس”، لا يُنظر إليه داخل الأردن وخارجه سوى كحلقة جديدة في سلسلة تواطؤ مكشوف ومتمادي، تجعل من المملكة حاجزاً متقدماً للدفاع عن أمن الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي يستباح فيه الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وتُدكّ فيه طهران بالضربات الإسرائيلية، وتتآكل فيه مفاهيم السيادة أمام صمت مدوٍّ على اختراق الطائرات الأمريكية والإسرائيلية المتكرر لأجواء الأردن نفسه.

خيانة موثّقة بـ”الدفاع الجوي”

ليست المرة الأولى التي ينخرط فيها الأردن بشكل مباشر في حماية الاحتلال الإسرائيلي من هجمات صاروخية أو مسيّرات.

ففي أكتوبر 2024، وخلال واحدة من أوسع الهجمات الصاروخية الإيرانية على أهداف عسكرية في دولة الاحتلال، أعلن الأردن بكل فخر أن دفاعاته الجوية أسقطت صواريخ كانت تعبر أجواءه، منطلقة من الأراضي الإيرانية نحو أهداف داخل تل أبيب، بذريعة الدفاع عن النفس.

المفارقة أن تلك الصواريخ لم تكن موجهة إلى الأراضي الأردنية، ولم تُصِب مدنًا أو بنى تحتية في المملكة، لكن النظام الأردني قدّم خدماته مجانًا لإسرائيل، ووقف عسكريًا في وجه واحدة من أوسع عمليات الرد الإيرانية على الاغتيالات الإسرائيلية.

بذلك، لم يُحافظ النظام على “سيادته”، بل اختار أن يكون درعًا واقية لكيان محتل، يقتل الفلسطينيين ليل نهار، وينتهك السيادة العربية دون رادع.

من حارس للسلام إلى وكيل أمني للاحتلال

لطالما روّج النظام الأردني لنفسه كوسيط سلام، وشريك معتدل في معادلة الإقليم المضطرب، لكن الواقع السياسي والعسكري يقول غير ذلك.

فمنذ توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994، تزايد تورط الأردن في علاقات أمنية وعسكرية مع دولة الاحتلال، شملت التنسيق الاستخباري وتبادل المعلومات ومناورات مشتركة أحيانًا.

إلا أن الموقف من الهجمات الإيرانية الأخيرة يكشف عن مستوى أعمق من الارتباط؛ لم يعد الأردن مجرد “شريك سياسي” بل “ذراع أمنية” إسرائيلية تُسند إليها مهمة اعتراض النيران الواردة من محور المقاومة، خدمة لأمن دولة الاحتلال.

ويؤكد ذلك التصريحات المتلاحقة التي أطلقتها القيادة العسكرية الأردنية، وتحدثت فيها عن “الجاهزية العالية” و”التصدي لأي تهديد يخترق الأجواء”، دون التمييز بين ما يستهدف الأردن فعلًا، وما يمر عبره باتجاه كيان احتلال يستبيح أراضي العرب ودماءهم منذ أكثر من سبعة عقود.

ردود الفعل الشعبية: الأردن ليس دولة وظيفية

رغم القبضة الأمنية المشددة في الداخل الأردني، تكرّرت المواقف الشعبية التي أدانت تواطؤ النظام في حماية دولة الاحتلال، ورفضت الانخراط في حروب لا شأن للأردن بها.

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تصدّرت مرارا عبارات الغضب والاحتجاج المشهد، وسط اتهامات مباشرة للنظام الأردني بأنه “الدرع الجوي للاحتلال”، و”أداة أميركية لتأمين سماء تل أبيب”.

وقال نشطاء من الحراك الشعبي إن الأردن، بتصرفاته هذه “يخون القضية الفلسطينية” ويضرب عرض الحائط بمشاعر شعبه الذي لطالما عبّر عن رفضه للتطبيع ودعمه الثابت لفلسطين.

بل ذهب بعضهم لوصف التصدي للصواريخ الإيرانية بأنه مشاركة مباشرة في الحرب إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما أن طائرات الاحتلال الأميركية والإسرائيلية تعبر الأجواء الأردنية بلا حسيب أو رقيب حين تقصف مواقع في العراق وسوريا وغزة، دون أن يُسجّل أي اعتراض أو تصريح رسمي.

ازدواجية “السيادة”

النظام الأردني يفاخر بدفاعه عن “سيادته” حين يسقط مسيّرات إيرانية تمر عبر أجوائه، لكنه يبتلع لسانه حين تخترق الطائرات الأميركية والإسرائيلية الأجواء ذاتها لضرب دول عربية أو المقاومة في غزة ولبنان.

لم يصدر عن عمّان أي احتجاج رسمي على تحويل أجوائها إلى ممرات حربية، بل تؤمّن المجال الجوي والطائرات التي تخرج منه، وتوفر التسهيلات العسكرية والأمنية اللازمة في القواعد الجوية التي تديرها واشنطن داخل المملكة.

هذا التناقض الفجّ يجعل الحديث عن “السيادة الأردنية” محض ديباجة للاستهلاك الإعلامي، ويكشف أن القرار الأمني في عمّان مرتهن لمصالح الغرب والاحتلال، لا لحماية الأردن ولا شعبه.

انسجام كامل مع مشروع “الردع الإسرائيلي”

تبدو المملكة الأردنية اليوم، أكثر من أي وقت مضى، جزءًا عضويًا من معسكر “الردع الإسرائيلي”، الذي تقوده واشنطن وتل أبيب في وجه محور المقاومة.

لكن الأنكى أن هذا الدور يتم تسويقه أردنيًا باعتباره “توازنًا ضروريًا” أو “حماية للأردنيين”، بينما هو في الحقيقة انخراط تام في منظومة الحرب الإسرائيلية التي تستهدف كل قوى التحرر في المنطقة.

الملك عبدالله الثاني، ومنذ بداية الحرب على غزة، حافظ على خطاب مزدوج: يُدين القتل الإسرائيلي أمام العلن، ويؤمّن الدعم العسكري واللوجستي لدولة الاحتلال في الخفاء.

وها هو اليوم، يكرّس نفسه لاعبًا إقليميًا في حماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية من الضربات الإيرانية، ليؤكد مرة أخرى أن “العداء لإيران” مقدّم عنده على أي دعم حقيقي لفلسطين أو حتى للموقف العربي الموحّد.

فحماية الاحتلال الإسرائيلي من الصواريخ ليست شرفًا ولا سيادة، بل وصمة عار في جبين نظام اختار أن يكون في صف القتلة، على حساب دماء الفلسطينيين ومشاعر الملايين من أبناء شعبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى