تحليلات واراء

من النضال إلى العمالة والخضوع: أزمة القيادة والثقة الشعبية داخل فتح

يجمع مراقبون على أن حركة فتح تمر اليوم بأزمة عميقة ومتعددة الأبعاد على المستويات البنيوية والسياسية، بما ينعكس بشكل مباشر على وضع السلطة ومنظمة التحرير باعتبار أن فتح تشكل العمود الفقري لهذين الكيانين وتضع فيتو على إصلاحهما أو إعادة إحيائهما.

وبحسب المراقبين فإن أزمة فتح المتفاقمة تمثل انعكاسًا لتراكمات سياسية وتنظيمية طويلة، انعكست على القدرة القيادية للحركة، وعلى قدرتها على ممارسة دور فاعل في الساحة الفلسطينية، سواء داخليًا أو خارجيًا.

ويشير الكاتب والمحلل السياسي نبهان خريشة إلى أن فتح فقدت الكثير من زخمها الثوري بعد تحولها من حركة تحرر وطني إلى حزب سياسي مرتبط بالسلطة، يعتمد بشكل أساسي على بقائه ومصالحه الذاتية.

ورأى خريشة أن هذا التحول جعل فتح تواجه تبعات إخفاقات السلطة دون أن تكون قادرة على تقديم مشروع سياسي بديل أو رؤية جديدة تعيد لها دورها القيادي التاريخي، مما أدى إلى تراجع ثقة الشعب الفلسطيني في الحركة.

فالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية خلال العقود الماضية، أفرزت جيلًا جديدًا يطالب ببرامج واضحة وخطط عملية لتجاوز التحديات الحياتية اليومية، وهو ما لم تستطع فتح تقديمه بفعالية.

حركة فتح ويكيبيديا

تعاني فتح من أزمة داخلية تتمثل في غياب الديمقراطية التنظيمية، حيث يتم تهميش القيادات الوسطى لصالح تركيز القرار السياسي والتنظيمي في يد دائرة ضيقة من القيادات العليا.

وأدى هذا التركيز إلى تعطيل عملية تجديد الأطر الشبابية، التي كانت تشكل سابقًا أحد أعمدة القوة للحركة، وأضعف من حضورها الشعبي بين أوساط الشباب والجيل الجديد، الذين أصبحوا ينظرون إلى فتح على أنها حركة تقليدية غير قادرة على مواكبة التغيرات الاجتماعية والسياسية.

كما أن الخطاب السياسي للحركة يشكل أحد أوجه الأزمة الأخرى، إذ لم تعد فتح تملك رؤية واضحة أو برنامجًا مقنعًا قادرًا على مخاطبة الشارع الفلسطيني، خاصة الجيل الجديد الذي نشأ في بيئة مختلفة تمامًا عن تلك التي رافقت انطلاقة الحركة.

وقد أضعف الانقسام بين الخطاب التاريخي المقاوم والواقع السياسي المعقد في الضفة الغربية وقطاع غزة، مصداقية الحركة وجعلها تبدو غير متماسكة في مواجهة تحديات الاحتلال الإسرائيلي والأزمات الداخلية.

انقسامات غير معلنة

يشير خريشة إلى وجود انقسامات غير معلنة داخل فتح، تتمثل في صراع مراكز القوى بين فصائل وأجنحة مختلفة تتنافس على النفوذ داخل الحركة والسلطة الفلسطينية.

ويقوض هذا الصراع الداخلي حدة الحركة ويحد من قدرتها على التفاوض أو فرض ثقلها السياسي محليًا ودوليًا، ويجعلها أكثر هشاشة أمام الضغوط الخارجية والتحديات الإقليمية.

كما أن هذه الانقسامات أدت إلى ضعف الأداء التنظيمي للحركة، حيث أصبح التركيز على المصالح الفردية أو الفئوية أكثر من التركيز على المصلحة الوطنية الشاملة.

ولا تقتصر أزمة فتح على المستوى الداخلي، بل تتعداه إلى مستوى التأثير السياسي الخارجي.

فضعف الحركة التنظيمي وعدم وضوح برامجها ينعكس على قدرتها في التأثير على المجتمع الدولي، أو لعب دور فاعل في مسار السلام أو في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية. فالتمثيل السياسي والقيادة الفعالة بحاجة إلى رؤية موحدة وقواعد تنظيمية واضحة، وهو ما نفتقده في الوقت الحالي داخل فتح.

ومن الناحية الاستراتيجية، يحتاج الوضع إلى إعادة تقييم دور الحركة في ضوء التحديات الحالية. إعادة فتح للهيكلة التنظيمية، وتوسيع دائرة المشاركة في القرار، وتفعيل دور الشباب والقيادات الوسطى، أصبح ضرورة عاجلة.

بالإضافة إلى تطوير خطاب سياسي جديد قادر على مواجهة الواقع المعقد للشارع الفلسطيني، وتقديم حلول عملية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لضمان استعادة ثقة الجماهير ورفع مكانة الحركة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

وبالمجمل أزمة فتح تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على التجديد والتكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية. فالحركة تواجه اليوم تحديًا وجوديًا: إما إعادة بناء قدراتها التنظيمية والسياسية لتكون فاعلة وموحدة، أو الانحدار تدريجيًا إلى حالة من الضعف السياسي والفقدان التدريجي للثقة الشعبية.

ويؤكد المراقبون أن إعادة فتح لمكانتها التاريخية تتطلب قيادة حقيقية قادرة على الإصلاح، واستراتيجيات واضحة لمواجهة الانقسامات الداخلية، وتقديم رؤية وطنية شاملة تلامس تطلعات الشعب الفلسطيني في جميع المناطق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى