تحليلات واراء

تيسير عابد: من مدّعي الحقوق إلى خادم الدعاية الإسرائيلية

بينما تُمعن آلة الحرب الإسرائيلية في تدمير قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، تتفرّع جبهة خفية لا تقلّ خطراً عن القصف والتجويع: جبهة التلاعب بالوعي الشعبي الفلسطيني. وفي هذه الجبهة، يبرز أشخاص فلسطينيون جرى تجنيدهم أو تهيئتهم لأداء أدوار مشبوهة تحت شعارات إنسانية، بينما ينفذون أجندة الاحتلال بأدوات محلية. تيسير عابد، الناشط السابق في مجالات العمل المدني، هو أحد أبرز هؤلاء.

فقد تحوّل عابد من ناشط ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى منصّة ناطقة باسم خطط الاحتلال “الإنقاذية”، مكرّساً جهده في التحريض على المقاومة وتبرير مشاريع “إعادة الإعمار” التي تقودها إسرائيل بهدف إنتاج بيئة أمنية بلا مقاومة.

النشأة والخلفية

وُلد تيسير عابد في مدينة غزة خلال ثمانينيات القرن الماضي، وتلقى تعليمه في مؤسسات محلية، قبل أن ينخرط في مؤسسات المجتمع المدني عقب اتفاق أوسلو.

وقد نشط في مشاريع تمكين الشباب والتدريب الحقوقي، وكان لسنوات جزءاً من المشهد “الليبرالي” الذي يُرفع في وجه المقاومة تحت راية “الديمقراطية والحياد”.

لكن مع تصاعد العدوان الإسرائيلي في العقدين الماضيين، بدأ خطاب عابد يتجه نحو مهاجمة المقاومة وتبرير وجود الاحتلال من بوابة “الواقعية السياسية”، حتى انخرط خلال الحرب الأخيرة بشكل كامل في ترويج الخطاب الإسرائيلي الموجّه للداخل الفلسطيني.

التحريض على المقاومة وتشويه مشروع التحرر

منذ بدء حرب الإبادة على غزة، حرص تيسير عابد على استثمار منصاته الرقمية في بث رسائل تدعو صراحة إلى نزع سلاح المقاومة، وتقديم الاحتلال كجهة عقلانية تسعى لإعادة النظام والهدوء، متجاهلاً الجرائم اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق المدنيين.

وفي سلسلة منشورات على صفحته في فيسبوك، حاول عابد تصوير المقاومة كجهة خارجة عن القانون، قائلاً في إحدى تدويناته: “نحن بحاجة إلى قوة تحمينا من عبث الفصائل، لا إلى مزيد من المواجهات التي دمرت كل شيء.” وهو خطاب يتماهى مع ما تقوله القيادات الإسرائيلية عن “تطهير غزة من حكم الإرهاب”.

كما كتب في منشور آخر: “كفى استنزافاً لغزة من أجل معارك لا طائل منها. الناس تريد الحياة، لا النصر الكاذب”. وهو تعليق نشره بعد غارة إسرائيلية دمّرت حي الزيتون، وحمّل فيه المقاومة مسؤولية الهجوم!.

ترويج خطط الاحتلال الإغاثية والأمنية

لم يتوقف دور تيسير عابد عند حدود التحريض على المقاومة، بل امتد إلى الترويج لمشاريع الاحتلال لإعادة الإعمار وتقديم “المساعدات” عبر كيانات تخضع للرقابة الإسرائيلية. وقد قدّم دعماً صريحاً للمشروع الأميركي الإسرائيلي الذي يهدف إلى خلق بنية إدارية جديدة في غزة تحت الحماية العسكرية.

ففي منشور له كتب عابد: “إذا جاء من يوزع الطحين بلا شعارات، فمرحباً به ولو كان من المريخ. ما يهمّنا الآن هو من يطعم الناس”. وذلك في تبرير مباشر للتعاون مع جهات تابعة للاحتلال أو مموّلة منه، ما دامت تقدم مساعدات، متجاهلاً أن هذه المساعدات تُستخدم أداة للابتزاز السياسي وإخضاع السكان.

كما نشر تدوينات مدافعة عن ما يُعرف بـ”جهاز مكافحة الإرهاب” الذي أسسته إسرائيل في مناطق جنوب غزة، قائلاً: “لا أحد يملك الحق في مهاجمة شباب يعملون على فرض النظام ومنع الفوضى. نحتاج إلى سلطة تحكم، لا فصائل تتقاتل”. وهو خطاب يصب في شرعنة الوجود الأمني المدعوم من الاحتلال.

أمثلة على منشوراته المحرّضة على الفتنة

أبرز ما يُميز خطاب تيسير عابد هو دعوته المتكررة لتجريد غزة من “كل أدوات القتال”، ومهاجمته للبيئة الاجتماعية الحاضنة للمقاومة.

في منشور له كتب: “من قال إن غزة يجب أن تبقى ساحة حرب؟ من قال إن أبناءنا يجب أن يُقتلوا في معارك عبثية؟” وهو خطاب يُحمّل فيه المقاومة مسؤولية المجازر التي يرتكبها الاحتلال.

وفي تدوينة أخرى قال: “لو حكمت غزة إدارة مدنية من الشباب المتعلمين لكانت الآن مثل سنغافورة. الفصائل دمّرت كل شيء باسم المقاومة.” وهو خطاب يستبطن دعوة لتصفية البنية السياسية للمقاومة، وإحلال نمط حكم موالٍ للممولين الأجانب والاحتلال.

وقد تكررت منشوراته التي تلمّح إلى أن الانقسام الداخلي هو الحل، لا المشكلة، حين قال: “الوحدة مستحيلة. دعونا ننفصل عن الجنون ونبدأ من جديد”. وذلك في دعوة صريحة لتكريس الانقسام الداخلي بدل مقاومته.

جزء من شبكة أفيخاي

تيسير عابد، وفق رصد منشوراته وسلوكياته الرقمية، لا يعمل بشكل فردي، بل ضمن شبكة تروّج لرواية الاحتلال، وتسعى لتقويض مكانة المقاومة في الوعي الفلسطيني.

وقد رصدت تقارير إعلامية وجود نسق لغوي موحّد في منشوراته ومنشورات أفراد آخرين في الشبكة، مثل يحيى هشام حلس وسعيد البيطار وغيرهم.

تتشابه هذه المنشورات في توقيتها، ومحتواها، ومصطلحاتها، وتُظهر درجة من التنسيق تفوق الصدفة. وتؤكد مصادر ميدانية أن هذه الشبكة تتلقى توجيهاً غير مباشر عبر أدوات دبلوماسية وإعلامية إسرائيلية، تتخفى خلف عناوين “الإعمار” و”الحياد” و”الواقعية السياسية”.

وبالإجمال فإن تيسير عابد ليس مجرد صاحب رأي مخالف، بل هو جزء من مشروع إعلامي خطير يهدف إلى تفكيك البنية المجتمعية الفلسطينية، وتزييف وعيها، من خلال خطاب يُظهر الاحتلال كمنقذ، والمقاومة كعبء يجب التخلص منه.

وفي لحظة تاريخية يتعرّض فيها الشعب الفلسطيني لمحاولة اقتلاع وجودي، تأتي أمثال هذه الأصوات لتلعب دور المُخرّب الداخلي، تحت عناوين خداعة، تخدم أهداف الاحتلال أكثر مما تخدم أي قضية إنسانية أو وطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى