فؤاد جرادة.. بوق الدعاية الإسرائيلية في غزة وأداة لضرب المقاومة من الداخل

يعد فؤاد جرادة أحد الأصوات التي تصدّرت واجهة التحريض الداخلي خلال حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وذلك في إطار شبكة “أفيخاي”.
فقد كرس جرادة ظهوره الإعلامي وكتاباته ومنشوراته لتقويض صمود الفلسطينيين والطعن بخياراتهم الوطنية، في انسجام شبه تام مع ما تقوله دولة الاحتلال وتبثّه يوميًا من روايات مسمومة.
من هو فؤاد جرادة؟
فؤاد جرادة هو موظف سابق في وزارة الإعلام في قطاع غزة ويعمل مراسلا لتلفزيون فلسطين الناطق باسم السلطة الفلسطينية، وقد عرف بنشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي وبتوجهه النقدي تجاه المقاومة الفلسطينية، وتحديدًا حركة حماس.
لكنه بمرور الوقت، انتقل من خانة “النقد السياسي” إلى ممارسة دور دعائي خالص ضد المقاومة، مستنسخًا الخطاب الإسرائيلي، ومتورطًا في حملات تشويه ممنهجة، جعلت منه واحدًا من أبرز الوجوه المحلية التي تخدم أهداف الاحتلال من داخل غزة.
ولا يُخفى أن جرادة حظي بدعم غير مباشر من وسائل إعلامية خارجية، ناطقة بالعربية والإنجليزية، كانت تقتبس منشوراته وتروّجها في سياق تقديم “صوت فلسطيني ناقد”، بينما الواقع يقول إنه مجرد أداة ناعمة ضمن شبكة أكبر تعمل على تفكيك الجبهة الداخلية الفلسطينية، وشرعنة العدوان الإسرائيلي تحت عباءة “المساءلة المدنية”.
خطاب التحريض في أوج المجازر
منذ اندلاع حرب الإبادة، ومع تصاعد المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين، كان يفترض بأي صوت فلسطيني أن يكرّس طاقته في مواجهة هذا الإعصار الدموي. إلا أن فؤاد جرادة، وبصورة استفزازية، قرر أن تكون معركته موجهة نحو المقاومة، وليس نحو الاحتلال.
في منشوراته اليومية، اختار جرادة تحميل الفصائل الفلسطينية – وتحديدًا حماس – مسؤولية الحرب والدمار، متجاهلًا السياق الاستعماري الكامل، وتاريخ الحصار، وطبيعة العدوان الإسرائيلي.
فقد تحدث عن “زجّ غزة في معركة خاسرة”، و”مغامرات عسكرية”، و”خطف قرار الحرب”، وهي عبارات مألوفة لدى من يتابع الإعلام العبري أو تصريحات جيش الاحتلال، الذي طالما سعى لتصوير الفلسطينيين كضحايا قرارات “المليشيات”.
وتزامنًا مع كل مجزرة إسرائيلية جديدة، كان جرادة يظهر إما بتبرير مبطّن، أو بتوجيه اللوم للمقاومة، أو بتصوير سكان غزة كرهائن بيد من يسميهم “الحكم الظلامي”، وهو نفس الخطاب الذي يروجه الاحتلال الإسرائيلي في تبرير استهداف المستشفيات والمدارس والكنائس، بدعوى أنها “تستخدم كمخابئ”.
فؤاد جرادة وشبكة “أفيخاي”: وظيفة أمنية ناعمة
يتعامل الاحتلال الإسرائيلي مع الحرب النفسية باعتبارها سلاحًا استراتيجيًا، وتوظف لذلك شبكات ناطقة بالعربية مثل “أفيخاي”، نسبة إلى أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال، والتي تُعنى بترويج الرواية الإسرائيلية بلسان فلسطيني.
ويُعدّ فؤاد جرادة من أبرز الأسماء التي تخدم هذه الأجندة في الداخل، عبر تحريف الوقائع، وبث الإحباط، وتشويه صورة المقاومة، وتحميلها المسؤولية الأخلاقية والإنسانية عن جرائم يرتكبها الاحتلال.
وقد ظهرت منشوراته مرارًا على حسابات إسرائيلية ناطقة بالعربية، وروّجتها منصات مشبوهة باعتبارها “صوتًا حرًا من قلب غزة”.
ولم يكتفِ جرادة بالكتابة، بل شارك أيضًا في مقابلات مع وسائل إعلامية خارجية، قدّم فيها سردية متطابقة مع ما يسعى الاحتلال لإثباته، من قبيل “غياب الديمقراطية في غزة”، و”احتكار المقاومة لقرار الحرب”، و”تدمير البنية التحتية بفعل المقاومة لا الاحتلال”، وهي روايات يوظفها الاحتلال الإسرائيلي أمام المجتمع الدولي للتنصل من جرائمها.
طعن في شرعية المقاومة
خلال فترة الحرب، تبنّى جرادة خطابًا مضادًا لمجمل فكرة المقاومة المسلحة، متجاوزًا اللحظة ومقتضيات الدفاع عن النفس، إلى طرح بدائل انهزامية تقوم على “السلام مقابل الاستسلام”، و”الحوار الداخلي”، بل ذهب أحيانًا إلى تحميل الفصائل مسؤولية الوضع المعيشي، دون أي إشارة إلى الحصار الإسرائيلي الممتد منذ أكثر من 17 عامًا.
وعلى الرغم من حجم الدماء والدمار، استمر جرادة في تصوير المعركة الكبرى التي تخوضها غزة كـ”حسابات حزبية”، و”مسرحية انتخابية”، في إنكار فجّ لواقع أن المقاومة تقاتل عن مجتمع كامل محاصر ومهدد بالإبادة.
التماهي الكامل مع الدعاية الإسرائيلية
ما يجعل فؤاد جرادة أكثر خطورة من مجرد ناقد سياسي، هو انسجامه المطلق مع أدوات التحريض الإسرائيلية، وتبني الخطاب الرسمي لجيش الاحتلال، حتى دون الحاجة إلى تعديل أو تنميق.
ففي كل مرة كانت دولة الاحتلال تزعم أن فصائل المقاومة “تتخذ من المدنيين دروعًا بشرية”، كان جرادة يردد هذا الزعم بصيغة فلسطينية، ما يمنح الاحتلال غطاءً إضافيًا على المستوى الإعلامي والسياسي.
الأخطر أن هذا الخطاب تم تسويقه في الخارج كموقف “من الداخل”، واستخدمته الدوائر الدبلوماسية الغربية لتبرير الموقف المتواطئ مع الاحتلال، خصوصًا في المحافل الحقوقية والإعلامية التي تبحث عن “أصوات بديلة”.
استهداف الجبهة الداخلية وتفكيك الإجماع
في لحظات الحروب، يصبح التفاف الناس حول خيار المقاومة ضرورة وطنية، ليس فقط لحماية الجبهة العسكرية، بل لضمان الصمود المجتمعي.
لكن جرادة، وغيره من نشطاء شبكة أفيخاي، سعوا إلى نزع هذا الغطاء الشعبي، وبثّ الإحباط، والدفع نحو الانقسام والتشكيك.
كان دائم الحديث عن “الانهيار الكامل”، و”فقدان الأمل”، و”هروب الناس من غزة”، وهي عبارات تمهد ذهنيًا لتقبل الاستسلام، وتشرعن الضربات الإسرائيلية كمقدمة لـ”نهاية حكم المقاومة”، وهو ما يشكّل خدمة صريحة للهدف العسكري الإسرائيلي المعلن.
دعاية تحت قناع “المدنية”
فؤاد جرادة ليس صوتًا مدنيًا حرًا، بل هو عنصر نشط في مشروع دعائي يتقاطع مع استراتيجية الاحتلال في ضرب الوعي الفلسطيني من الداخل. وتحريضه المستمر على المقاومة في ذروة المجازر لا يمكن فصله عن السياق الأمني والدعائي الذي تقوده إسرائيل.
في وقت تعاني فيه غزة من الحصار والتجويع والموت، لا يكون الحياد خيارًا، ولا يكون نقد المقاومة إلا في سياق خدمة العدو. والصمت عن هذا النمط من الخطاب الخطر يعني ترك الجبهة الداخلية نهبًا لأدوات الاحتلال الناعمة، التي تتسلل بأسماء فلسطينية، وأجندات إسرائيلية خالصة.