تحريف التصريحات.. أداة قذرة لشبكة أفيخاي لتقويض الجبهة الداخلية الفلسطينية

على مدار أشهر حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، تحولت شبكة أفيخاي إلى بوق دعائي إسرائيلي متخصص في تشويه قيادات المقاومة الفلسطينية ومحاولة ضرب الحاضنة الشعبية الفلسطينية عبر اختلاق أو تحريف التصريحات المنسوبة لقيادات سياسية وعسكرية في المقاومة.
إذ تعتمد شبكة أفيخاي على إعادة صياغة تصريحات حقيقية أو تلفيق تصريحات وهمية، لتبدو كأنها صادرة عن قيادات المقاومة ومن ثم الترويج لها على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي.
الهدف من ذلك ليس مجرد التضليل الإعلامي، بل إحداث شرخ في العلاقة بين الشعب والمقاومة عبر إيهام الجمهور بأن مواقف قيادته السبب في استمرار الحرب والمآسي.
على سبيل المثال، يجري تحوير خطاب المقاومة الثابت حول شروط إنهاء الحرب (وقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع) ليُعرض للرأي العام وكأنه تعنت غير مبرر، يُحمّل المقاومة مسؤولية الدماء والدمار، بينما يتم تغييب الحقيقة الجوهرية: أن الاحتلال هو الطرف الذي بدأ الحرب ويواصل مجازره بحق المدنيين.
شبكة أفيخاي ويكيبيديا
تأتي هذه التحريفات في ظل ظروف إنسانية كارثية يعيشها الفلسطينيون في غزة، حيث الجوع والمرض وانهيار البنية التحتية.
وتراهن شبكة أفيخاي على استغلال آلام الناس ومعاناتهم اليومية لزرع الشك في جدوى المقاومة، وتحميل قياداتها مسؤولية استمرار الكارثة.
لكن هذا الأسلوب يحمل خداعاً مزدوجاً: فهو يسعى لتبرئة الاحتلال من جرائم موثقة دولياً، وفي الوقت نفسه يستهدف ضرب صمود الفلسطينيين الذين يشكل دعمهم الشعبي العمود الفقري لاستمرار المقاومة.
فما تحاول شبكة أفيخاي تسويقه هو قلب الحقائق: تصوير الاحتلال كطرف يسعى إلى إنهاء الحرب بينما المقاومة هي التي “تصر” على استمرارها.
والوقائع تثبت أن هذا المنطق المقلوب يتجاهل أن دولة الاحتلال ترفض بشكل ممنهج كل مبادرات وقف إطلاق النار التي لا تحقق لها أهدافها السياسية والعسكرية المتمثلة في تكريس الاحتلال وتفكيك المقاومة.
بهذا، فإن كل تصريح محرف يتم تسويقه يخدم في النهاية هدفاً واحداً: تجريم المقاومة وتبرئة الاحتلال، وهو خطاب يتناغم مع المساعي الإسرائيلية لتقليص الضغوط الدولية عليها.
تكريس الاحتلال عبر الدعاية
تحولت شبكة أفيخاي من مجرد ذراع دعائية إلى منصة ممنهجة للحرب النفسية. إذ تسعى إلى إضعاف ثقة الشارع الفلسطيني بقيادته ودفع الفلسطينيين نحو الإحباط والانقسام.
يضاف إلى ذلك استهداف تسهيل تمرير المخططات الإسرائيلية، بما في ذلك مشاريع “إعادة الإعمار المشروط” أو فرض إدارة بديلة على القطاع تخدم مصالح الاحتلال.
وما يزيد خطورة هذا الدور أن هذه الشبكة لا تعمل بمعزل، بل ضمن منظومة إسرائيلية متكاملة تضم وسائل إعلام دولية ومراكز ضغط سياسية تسعى لفرض الرواية الإسرائيلية على الرأي العام العالمي.
ورغم ما تبذله شبكة أفيخاي من جهد في صناعة التضليل، إلا أن طبيعة الأسلوب المكرر والمفضوح أفقدتها كثيراً من المصداقية.
فالجمهور الفلسطيني خبر هذا النوع من الحملات منذ سنوات، ويدرك أن أي محاولة لتحريف تصريحات قياداته تأتي في إطار استراتيجية ضغط نفسي تهدف إلى ضرب صموده.
بل على العكس، فإن هذه الحملات كثيراً ما تأتي بنتائج عكسية، إذ تعزز وعي الشارع الفلسطيني بأن ما يتعرض له من مآسٍ سببه الاحتلال، وليس خياره في التمسك بحقوقه.
ولا يمكن النظر إلى تحريف التصريحات بمعزل عن السياق الأوسع للحرب الإسرائيلية. فدولة الاحتلال تدرك أن صورتها الدولية تضررت بشدة جراء جرائم الإبادة في غزة، لذا تحاول عبر أذرعها الإعلامية تحميل المقاومة مسؤولية ما يجري، لتخفيف الضغط عن نفسها أمام المجتمع الدولي.
كما أن هذه الحملات تأتي متزامنة مع محاولات دولة الاحتلال فرض روايتها على العواصم الغربية، وتبرير استمرار العمليات العسكرية على أنها “حرب ضرورية” لإجبار المقاومة على الاستسلام، بينما هي في الحقيقة حرب إبادة تهدف إلى إخضاع غزة نهائياً.
إلا أن فشل هذا التكتيك يكمن في وعي الفلسطينيين وإدراكهم العميق لطبيعة الصراع. فالجبهة الداخلية الفلسطينية، رغم معاناتها القاسية، ما تزال تدرك أن جوهر المشكلة ليس في مواقف قياداتها، بل في الاحتلال الذي يصر على الإبادة والعدوان.